خرج الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع في يوم 17 أيلول من العام الحالي احتجاجاً على وفاة الشابة الإيرانية “مهسا أميني”، بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق في إيران بتهمة ارتداء حجاب غير محتشم. والانتفاضة الحالية هي امتداد لاحتجاجات ايرانية سابقة تعود بداياتها الى سنوات قليلة بعد تولي علي خامنئي منصبه كمرشد أعلى في ايران عام 1989. وأول تلك الاحتجاجات قد انطلقت في العام 1992 من قبل أهالي مدينة مشهد، مسقط رأس المرشد الأعلى الإيراني وموجهة ضد تعسفات الحكومة نحوهم . ثم تلاها احتجاجات أخرى في الأعوام 2009، 2017 و2018 و2019 معظمها كانت تعبيرا عن صعوبة الأوضاع المعيشية التي يعانون منها الايرانيون. الا أن ضعف التنظيم وغياب القيادة المركزية من أهم الأسباب الأساسية التي أدت الى انحسار تلك الاحتجاجات بسرعة، وعدم قدرتها على الاستمرارية من أجل الضغط على القيادة الإيرانية للحصول على تنازلات إصلاحية منها . ناهيك عن طبيعة التفكير الاستبدادي للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي فرضه على مدار 30 عاماً في الحكم وطريقة تعامله الصارم مع الاحتجاجات ، كلها أدت الى اغلاق جميع أبواب الحوار مع المحتجين من المعارضة الايرانية . وقد حذر المرشد الأعلى من أنه لن يسمح بأي تنازل ولو كان بسيطاً للمحتجين لاعتقاده الراسخ بأن مثل هذه الاستجابة لمطالبهم يعني بداية انهيار النظام الحالي للجمهورية الإسلامية. وقد عبر عن هذه التخوفات في احدى خطبه قائلا حول هذا الموضوع “لا تدعوا سلطة الحكومة تنهار، بعض الناس يريدون كسر سلطة الحكومة لكنهم يريدون حقاً كسر سلطة الوطن بأكمله، لا تسمحوا بذلك، القوات الأمنية هي المسؤولة، ويجب التعامل بقوة مع من يتصدى للنظام ويعطله، لا ينبغي لأحد أن يتهاون مع من يخل حتى بالنظام العام”.
وانطلاقا من هذه التوجهات المتشددة للمرشد الأعلى ، لجأ النظام الايراني الى انشاء أحد أسوء الأجهزة القمعية في العالم للتصدي بحزم للمعارضين ضد النظام السياسي والتنكيل بهم واخماد احتجاجاتهم عن طريق اتباع اسلوب القسوة المفرطة. وهذا النظام القمعي ضد المحتجين يتكون من ثمانية أجهزة أمنية بعض أفرادها عسكريون بزي مدني ، وتعمل كل منها بشكل مستقل لقمع الاحتجاجات على النحو التالي:
1.قوات نخسا
هذه القوات مخصصة للتعامل مع الاحتجاجات وحرب الشوارع وهي عادة تتواجد في سيارات الإسعاف و تلعب دوراً غير مسبوق في الاحتجاجات. اذ أنها تظهر بصورة مفاجئة وسط المتظاهرين بعد أن يتم فتح أبواب سيارات الاسعاف المتواجدين فيها. وهي قوات شبه عسكرية بزي مدني أسود مهمتها اختطاف المتظاهرين من ساحات الاحتجاج. ونخسا تابعة لقوات للحرس الثوري، تم تأسيسها من المتطوعين الإيرانيين وجزء من أفراد الباسيج، وكان لهم ظهور خاص في الحرب السورية.
2.وحدات نوبو الخاصة
وهي قوات أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني منتشرة في المحافظات وتتواجد أيضا في الاحتجاجات الإيرانية
3. وحدة مشاة القوات الخاصة
وهي وحدة عسكرية تتعامل مع الاحتجاجات في ايران ولديها العديد من الفروع وأهمهم على الإطلاق راكبو الدراجات النارية. وهي فرقة تدخل وسط حشود المحتجين بالدراجات النارية لإثارة الرعب بينهم ومحاولة تفريقهم، من خلال الدوران المستمر حول المتظاهرين.
4. كتائب الإمام علي
هي أحد الفروع التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي تأسست بشكل خاص لمواجهة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، تم تشكيلها بعد احتجاجات عام 2009 أو ما يعرف باسم “الحركة الخضراء”. وهي من أقوى المؤسسات الأمنية التي تتعامل مع المظاهرات في المدن الحضرية الكبيرة ولديها الآلاف من العناصر الأمنية ، كما أنها تُعتبر جزءاً من قوة المشاة التابعة للحرس الثوري الايراني.
5. وحدة ثأر الله
هي واحدة من أقدم وأهم الفروع العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، تم انشاؤها مع بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وشاركت في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات.
6. ذوي اللباس المدني
وهي فرقة من العسكريين لكن عادة ما تتم مشاهدتهم وسط حشود المحتجين بلباس مدني وهم ينقسمون إلى فريقين، فريق منهم يرتدي غالباً الملابس السوداء ويشكلون الخط الأمامي للقوات الأمنية خلال الاشتباك مع المتظاهرين والفريق الثاني يندس وسط المتظاهرين في محاولة لإثارة غضبهم واستدراجهم لأعمال الشغب والعنف. وفي مظاهرات 2019، شوهدت هذه العناصر ليلاً تُحرق وتُكسر الممتلكات العامة لتشويه سمعة المحتجين.
7. الأجهزة الاستخباراتية.
بجانب القوات العسكرية وشبه العسكرية، هناك حوالي ما يزيد عن عشرة أجهزة استخباراتية إيرانية مهمتها جمع المعلومات حول المتظاهرين ومراقبتهم ومعرفة أماكن سكنهم، بالإضافة إلى النشطاء السياسيين والصحفيين والمصورين لتسهيل عملية اعتقالهم.
8. الباسيج
هو فصيل مسلح شبه عسكري يعتمد على الآلاف من المتطوعين من الرجال والنساء، تم تأسيسه في عام 1979 و شارك في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات . بعد الاحتجاجات العارمة التي شهدتها إيران في عام 2009
أثر الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها ، تم دمج وحدات الباسيج ضمن القوات البرية للحرس الثوري الإيراني واصبحت تحت اشراف مباشر من قبل نجل المرشد الأعلى الإيراني مجتبي خامنئي . ولعبت هذه القوة دور كبير في قمع الاحتجاجات عام 2009 .ويقدر أعداد هذه القوات بنحو 6 ملايين شخص وتعتبر أهم وأقوى مؤسسة أمنية تتعامل مع المظاهرات، بل أهم مؤسسة تلعب الكثير من الأدوار في الحياة الاجتماعية والسياسية في إيران. وأفراد الباسيج هم من أوائل العناصر الأمنية التي تنزل عادة إلى الشوارع لمواجهة المحتجين، ويعتمد عليها كقوة صارمة في قمع وانهاء أي احتجاجات مناهضة للحكومة. لذلك تتواجد قوات الباسيج الان بكثافة في كل شوارع إيران أثناء الانتفاضة الحالية.
وعلى ما يبدو فان حكومة الملالي قررت هذه المرة استخدام العنف بشكل تدريجي مع الانتفاضة الحالية لأن الاحتجاجات بالأساس قامت بسبب مقتل فتاة كانت ترتدي الحجاب بطريقة لا تعجب الشرطة ، لذا من غير المعقول استخدام العنف المفرط مع هكذا احتجاج منذ البداية. وعليه فان الاحتجاجات الحالية لحد الأن أدت الى أعداد ضحايا لم يتعدّى ال 200 قتيل مقارنة بالاحتجاجات التي حصلت في تشرين الثاني عام 2019 والتي وصل فيها أعداد القتلى الى حوالي الألف شخص بسبب الاستخدام السريع للعنف المفرط تجاه المتظاهرين.
هل الاحتجاجات الحالية ستحدث أي تغيير في النظام السياسي الايراني؟
يوجد فريقان مختلفان حول ما سوف يؤول اليه مستقبل الانتفاضة الايرانية الحالية. الأول متشائم بمستقبل هذه الانتفاضة ويتبناه مسؤول اصلاحي سابق في الحكومة الايرانية. وهو يرى على الرغم من حصول هذه الاحتجاجات على دعم شعبي كبير حتى من أوساط المتدينين والفنانين والمثقفين، والاعتراف بشجاعة المتظاهرين الموجودين الآن في الشوارع، إلا أنها مازالت تعتبر انتفاضة عفوية غير منظمة وبلا قيادة ومن الصعب أن تؤدي الى إحداث أي تغيير في النظام السياسي الحالي. و من المتوقع أن تنجح الحكومة الإيرانية في إخماد شرارة الاحتجاجات الحالية كما حصل مع الاحتجاجات السابقة. و لكن ما لا يمكن إنكاره أن هذه الانتفاضة قد تسببت في قلق كبير لدى القادة الإيرانيين، وأدت الى زعزعة استقرار العمل الحكومي.
أما الفريق الاخر الذي هو أكثر تفاؤلا بالنتائج التي سوف تخرج بها الانتفاضة الحالية و يعبر عنه الكاتبان الايرانيان مهدي عقبائي وعبد الرحمن کورکی. انما يستمد تفاؤله من تميز الاحتجاجات الحالية عن سابقاتها بالكثير من الامور. فهي دخلت اسبوعها الثالث و لا زالت على أوجها و باتت شرارتها منتشرة في معظم أرجاء الجمهورية الاسلامية لتشمل حوالي 162 مدينة. وغطت مقاطعات ذات قوميات مختلفة مثل بلوشستان وعربستان والمنطقة الكردية والمناطق الفارسية . وهي تحظى حاليا بدعم كبير من قبل أغلب فئات المجتمع الإيراني، وتتوفر لدى المتظاهرين الارادة والتصميم على الاستمرار باحتجاجهم في الشوارع الإيرانية حتى تحقيق النصر. وان درجة الغضب والغليان بين المتظاهرين الحاليين فى الشارع غير مسبوقة وغير عادية وهي السمة المميزة لهذه الاحتجاجات. كما يعتبر هذان الصحفيان أن انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة والتي اجتاحت الآن معظم المدن الايرانية هي حركة منظمة وموجهة تقودها وحدات المقاومة في الداخل الذين تمكنوا من نقل إيران من نقطة الشرارة للوصول إلى نقطة الانفجار. وهذه الوحدات هي في الغالب من أنصار مجاهدي خلق التي بدأت نشاطاتها منذ سنوات وكانت تخطط و تعمل ليل نهار للوصول إلى هذه الحالة من الانتفاضة.
لازال الوضع الحالي للانتفاضة هو في مرحلة الكر والفر بين السلطة والمحتجين وكلاهما يحاول أن يبقى متماسكا في هذه المواجهة الشرسة .لكن الزمن ليس في صالح السلطة وبمرور الوقت يمكن أن تحصل متغيرات كثيرة تصب في صالح المتظاهرين. فاستمرار التظاهر سوف يشل الاقتصاد الايراني الذي يعاني أصلا من تراجع كبير بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام وسيؤدي ذلك الى صعوبات اقتصادية قد تزيد في تذمر الناس على السلطة .كذلك يمكن أن تحصل انشقاقات كبيرة في صفوف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تؤدي الى اضعاف تماسك السلطة وسرعة انهيارها وهو مشابه لما حصل من أحداث في زمن الشاه. وقد بدأت بوادر بعض هذه الانشقاقات تظهر على السطح بين العسكرين ولكنها لا زالت على نطاق محدود جدا. كما أن الانتفاضة الايرانية قد تلجأ الى اسلوب التحدي والمواجهة المباشرة مع القوى الأمنية اذا ما تواجد المتظاهرون بأعداد كبيرة جدا تفوق أعداد تلك الأجهزة . ففي بعض المحافظات أظهرت مقاطع مصورة لنجاح هذا النوع من المواجهة مع القوى الأمنية أدت الى حالات هروب أفراد تلك العناصر الأمنية من أمام المتظاهرين الذين أصروا على الاشتباك المباشر معها. فضلا عن ذلك هناك مواجهة مسلحة حصلت بين بعض المحتجين والقوى الأمنية في مقاطعة بلوشستان تكبدت فيها هذه القوى خسائر في الارواح ، مما يفسح المجال لعسكرة الانتفاضة الايرانية في المستقبل.العراق من أكثر الدول التي عانت من المخططات الخبيثة للطغمة الحاكمة في ايران وبالتالي فهو يتطلع الى اليوم الذي تنجح فيه الانتفاضة الايرانية في التخلص من هذا النظام السيء . لأن نجاحها في تحقيق هذه الغاية هو بمثابة خطوة مهمة لتخليص العراق من الزبالة السياسية الجاثمة على صدره والتي أفرزها ذلك النظام الحاكم في طهران. ان غدا لناظره قريب.