عجز الميزان التجاري السوري يتعمّق: 94.3% تراجع الصادرات
تراجعت التجارة الخارجية السورية، بعد تهديم القطاعات الزراعية والصناعية وتوالي القرارات المعيقة للتصدير، لتأتي الضربة القاضية برأي اقتصاديين، بعد تحوّل النفط من نقطة قوة الصادرات وموارد الخزينة العامة، إلى مستنزف للموارد وأكثر المستوردات قيمة، ليسجل الميزان التجاري عجوزات متراكمة دفعت حكومة بشار الأسد لوقف استيراد ما تراه كماليات وتوقفت عن دعم المستوردين والمصدرين.
وتكشف بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة الأسد، تراجع المستوردات السورية منذ عام 2011 حتى عام 2022 بنسبة 78.11% حيث بلغت كمية المستوردات السورية في عام 2011 نحو 19871 مليون دولار بزيادة قدرها 13.76% عن عام 2010 والذي سجلت فيه المستوردات قيمة 17467 مليون دولار. قبل أن تبدأ سلسلة التراجع وعجز الميزان التجاري عام 2012، حيث بلغت نسبة تراجع المستوردات نحو 38.33% مقارنة بعام 2011.
وتشير البيانات الرسمية إلى انخفاض المستوردات من 8587 مليون دولار في عام 2013 إلى 5545 مليون دولار عام 2015، أي بنسبة تغير سلبي بلغت 35.5%، وفي عام 2018 زادت قيمة المستوردات لأول مرة منذ 2011 حيث ارتفعت إلى 7752 مليون دولار بنسبة تغيّر بلغت 60% مقارنة بعام 2017 الذي سجلت فيه المستوردات قيمة 4845 مليون دولار.
ويرجع اقتصاديون سبب زيادة المستوردات في عام 2018 لعودة فتح المعابر الحدودية مع دول الجوار، خاصة معبر نصيب مع الأردن، في حين بدأت المستوردات منذ عام 2019 بالتراجع، بعد إصدار حكومة الأسد قوائم منع المستوردات والاقتصار على المواد والسلع التي وصفتها بالضرورية ضمن برنامج “ترشيد المستوردات” والمحافظة على القطع الأجنبي، إضافة للعقوبات الخارجية، لتتراجع قيمة المستوردات عام 2019 إلى 5824 مليون دولار بنسبة تغير بلغت 24.87% مقارنة بالعام 2018، إلى أنّ وصلت إلى نحو 3822 مليون دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وبما يتعلق بتراجع الصادرات السورية، بعد تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي وهروب العديد من الشركات والرساميل؛ تشير البيانات الرسمية إلى أن قيمة الصادرات التي بلغت عام 2010 قرابة 12238 مليون دولار، تراجعت نهاية العام الماضي 2022 إلى 696 مليون دولار بنسبة تراجع 94.3-%.
وتوضح وزارة التجارة بدمشق أن عام 2012 سجل أكبر نسبة تغير في الميزان التجاري، وقت تراجعت قيمة الصادرات بنسبة 80%، بتراجعها إلى 3050 مليون دولار لتستمر متوالية العجز بتراجع الصادرات عام 2018 إلى 325 مليون دولار، قبل أن ترتفع نهاية العام الماضي إلى 696 مليون دولار.
ويقول المحلل المالي إبراهيم محمد إن حرب النظام السوري على الثورة وحلم السوريين، طاولت البنية الإنتاجية للصناعة التي تراجع إنتاجها بنحو 80% واقتصرت الصادرات على بعض الألبسة والمنتجات البلاستيكية ومنتجات أخرى قليلة، إلى جانب تهديم الزراعة التي كانت تسهم بـ17.6% في الناتج المحلي الإجمالي ونحو 20% من الصادرات غير النفطية، حيث تحولت الزراعة، بعد العجز بالقمح واستيراد غذاء السوريين، إلى مستنزف للقطع الأجنبي.
ويعتبر المفتش المالي السابق محمد أن تحوّل النفط من المساهمة بنحو 24% من الناتج المحلي وأكثر من 40% من الصادرات الإجمالية إلى مستنزف بعد تراجع الإنتاج واستيراد أكثر من 150 ألف برميل يومياً، هو أهم ملامح تبدل الميزان التجاري وتعرية النظام السوري.
بالمقابل، لا يقلل المحلل الاقتصادي أسامة قاضي تأثير العقوبات الدولية وخاصة قانون “قيصر” الأميركي، على التجارة الخارجية، لكن ذلك برأيه يأتي ثانياً، لأن الإنتاج بسورية بعد عام 2012، تراجع في جميع القطاعات، واقتصرت الصادرات على المواد الخام “فوسفات” وبعض المنتجات الزراعية والصناعية، في حين ازدادت حاجة السوق الداخلية، سواء من المحروقات أو القمح والمواد الغذائية.
ويلفت رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية إلى تبدل شركاء سورية، ففي حين كان الاتحاد الأوروبي أهم شركاء سورية التجاريين بنحو 26% مستوردات و16% صادرات، تحولت التجارة إلى شبه صفرية، لتحل إيران والصين وروسيا، إضافة للعراق والأردن، كشركاء جدد لسورية، مبيناً أن التجارة مع الشركاء الجدد تكاد تكون باتجاه واحد.
ويرى قاضي أن قرارات التضييق على التصدير، بعد وقف التمويل وعدم منح الدولار بالسعر الرسمي، أثرت كثيراً على التجارة الخارجية السورية، مشيراً إلى تراجع الصادرات خلال العامين الأخيرين بسبب إلزام التجار بكشف مصادر الدولار وإلزامهم بإيداع قيمة الصادرات لدى شركات الصرافة وانتظار الموافقات التي تمتد لأشهر أحياناً، ما حد من العمليات التجارية إلى حدها الأدنى.
ويُذكر أن آخر تصريح سوري رسمي حول عجز الميزان التجاري، أصدرته معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية والعلاقات الدولية، رانيا أحمد بقولها: بلغ العجز في الميزان التجاري السوري لعام 2021 نحو 3.3 مليارات يورو، مضيفة خلال تصريحات، أن سياسة الوزارة تركز في التجارة الخارجية على ترشيد الاستيراد والتركيز على الأولويات، وتنمية الصادرات.