يدرك الجميع هدف الروس الحقيقي بسورية ولكن دون تجاوز خطوط دبلوماسية حمراء…في احاديث دائمة ومن مختلف المستويات ان هدف التدخل المعلن هو ابقاء نظام الاسد وعودة سلطة (الدولة السورية) الى كامل التراب السوري…ولكن يتميز الروس بالبراغماتية فهم ليسوا مستعدين للصراع مع الاطراف الفاعلة بالقضية السورية (أمريكا–تركيا–ايران–العرب –الاتحاد الاوربي) فهي تحاول تقديم نفسها طرف يتكلم معه الجميع
حاولت روسيا حسم الملف السوري عسكريا لفرض رؤيتها السياسية لكن التموضع الأمريكي والتركي في الشمال حال دون ذلك…وبالتالي اصبح الروس غير قادرين على ذلك عمليا كما انهم غير قادرين على منع استهداف إسرائيل للتموضعات الايرانية وغير قادرين(لحد الآن) عن التخلي عن الجهد الميليشياوي الايراني على الارض…
بالإضافة لكونهم غير راغبين بتحدي المانحين الدوليين لاعادة الإعمار المرتقبة وهم دول الاتحاد الاوربي ومجلس التعاون الخليجي
الثابت الرئيس في السياسة الروسية أن زمن المعارك الكبرى قد انتهت وان لاتحول بمناطق السيطرة على الارض جوهريا وأنه لابد من استثمار ذلك الجهد العسكري الذي قدموه سياسيا ومن ثم اقتصاديا
لم ينجح تسول الروس للاموال من المانحين بعقد مؤتمرات صورية لتأمين عودة اللاجئين من الدول التي تحتضنهم الى سورية وبالتالي يسبق ويرافق ذلك اعادة للاعمار باشرف روسي ونيل حصة الاسد من اموال مخصصة لذلك مع تقديم نفسها راعي الحل وتخليص العالم من صداع القضية السورية وبالتالي تثببت روسيا نفسها كدولة حققت السلام والهدوء المنشود دون الحاجة لتطبيق القرارات الدولية وتفسيراتها…
مر العام 2020 و2021 بعد توقف المعارك الكبرى في ادلب ولم تحقق روسيا شيئا مما تخطط له…
حاولت استغلال رغبة الرئيس الديمقراطي المعلنة بالانسحاب من مناطق النزاع التي لانهاية للحروب فيها وخاصة بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان…وبدأت تعد العدة للحلول مكان القوات الامريكية المنسحبة وهو ما عبر عنه بوتين صراحة عند استقباله لرئيس النظام السوري في موسكو بان ميليشيات نظامه تسيطر على 90% من الجغرافيا السورية..وبالتالي لايمكن عقد شراكة مع المعارضة التي تسيطر على 6% من الجغرافية (طبعا مع استثناء هيئة تحرير الشام من مناطق سبطرتها على ادلب لانها كما يرى الاغلبية انها فصيل نابع للنظام)…
كانت اشارة القيصر الروسي معناها انه تم اطلاق النار على الراس على القرار الدولي 2254 وبالتالي اصبح ذلك القرار ميتا وإكرام الميت دفنه
ثم عزز موقف الروس بعد لقاء القمة مع الرئيس الامريكي بصيف 2021 في جنيف ..وبدا ان للامريكان مقاربة إنسانية بحتة للملف السوري خاصة إنهم لايوردونه في قائمة اولوياتهم وان الامريكان ذاهبون للتوقيع على اتفاق نووي مع الايرانيين وسيتركون سورية لراعي دولي له علاقات مع كل اطراف النزاع..بحيث تسود الهيمنة الروسية على سورية ويتم تحقيق امن اسرائيل ومحاربة بعض بقايا الارهاب والحفاظ على وقف اطلاق النار وعدم التصعيد….وقدم الرئيس بايدن تنازلات حقيقية للرئيس الروسي لتمرير 2585 في مجلس الامن القاضي بالموافقة على استمرار تدفق المساعدات الاممية عبر معبر باب الهوى حيث استثنى الرئيس الامريكي جملة من الانشطة تحت مسمى التعافي المبكر من العقوبات القيصرية الامريكية…واعتبر الروس ان خطوة الالف ميل باعدام قانون قيصر قد بدات وسيتم خرقه مجدد
زيارة العاهل الاردني لواشنطن وموسكو في الصيف الماضي وما اعقبها من تطبيع اردني وقبول النظام السوري كامر واقع لامناص من التعامل معه وترافق ذلك مع اغماض العين الامريكية بل تشجيعها على مبادرة خط وصول الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان عبر مناطق سيطرة النظام وحصول النظام على حصص عينية من كهرباء وغاز والاهم من ذلك هو الحرارة السياسية التي اعقبت ذلك تجلى باجتماعات وزارية بين الدول الاربعة كانت الاولى للنظام السوري بعد قطع العرب اتصالاتهم العلنية معه…
كانت دعوات عودة النظام السوري لشغل مقعد الجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية في قمة الجزائر القادمة 2022 كانت تطرب اسماع الروس ..واخذوا يعدون العدة لتطبيع متدرج مع النظام السوري من مختلف الافرقاء ..نظرا لعدم توفر بديل له…ولايخفى على الجميع ان رمز الانتصار العسكري الروسي (المزعوم) في سورية هو وجود بشار الاسد في قمة السلطة وهو الذي كان مهددا بالسقوط خلال اسبوعين لولا تدخل الالة العسكرية الروسية
لماذا تعكرت الأجواء على الروس مؤخرا؟
يمكن ادراج عدة اسباب جرت في الشهرين الاخيرين ادت لتعطيل المسار الذي كان الروس يمنون النفس به منها:
1–تعثر المفاوضات في فيبنا بين المجموعة الغربية وإيران وظهور مؤشرات عديدة تقول انه من الوارد عدم حدوث اي اتفاق وعودة المنطقة للتصعيد بحرب رمادية او مباشرة وقد بدأت الاصوات تعلو عن ضربة اسرائيلية قريبة للمنشآت النووية الايرانية تقوم بها لوحدها او بالمشاركة مع الولايات المتحدة برغبتها او توريطها بذلك
2– ازاء تعثر المفاوضات برزت مواقف ومؤشرات امريكية لاتسر الجانب الروسي..فقد قرر الرئيس الامريكي برسالة موجهة الى الكونغرس ان بقاء القوات الامريكية في سورية اثر سحب القوات القتالية من العراق بقاء غير محدد باجل طالما يستدعي أمن الولايات المتحدة ذلك.
ترافق ذلك مع حملة صحفية من اهم صحيفتين في الولايات المتحدة(الواشنطن بوست والنيويورك تايمز) بشن حملة على ممارسات النظام السوري وشخص رئيسه وعائلته..تلاه ربط مشروع قانون لكشف ثروة عائلة اسد وعشيرتها الاقربون وامهال الكونغرس للحكومة الامريكية مدة 4 اشهر لانجازه وربط مشروع القانون بقانون الدفاعةالوطتي الامريكي لضمان توقيع الرئيس عليه واصبح قانونا بعد توقيعه وتم اسقاط مشروع قانون بتعطيل شبكات تصنيع وتجارة المخدرات التي يقوم بها النظام السوري والتي تهدد الامنىالمجتمعي لدول الجوار والعالم اجمع…ولكنه بقي مسودة قرار تم صباغته من المشرعين الامريكان ويمكن ان يقر في هذا العام…
3–تزايد حدة ومواقف الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة من النظام السوري خاصة بعد فشل زيارة وزير الخارجية الاماراتي لدمشق والبناء عليها ان لا أمل بنزع النظام السوري من الحضن الايراني باي شكل من الاشكال..
4–لايمكن اغفال نشر الصحافة الامريكية لضربات امريكية تمت في عام 2020 وبحزيران 2021 لمتشآت سورية قرب دمشق تعمل على استمرار مشروع النظام السوري بامتلاك غاز السارين ..وبالتالي فشل كل الضمانات الروسية بتسليم كامل مخزونات النظام من السلاح الكيماوي وعدم العودة لمشروع انتاجه مجددا وهو موضوع القرار الدولي تحت الفصل السابع 2118…ايضا اثارة الموضوع في الجمعية العامة للامم المتحدة ..وليس بعيدا عن ابراز الملف دوليا هو اعتقال السلطات الفرنسية لتاجر فرنسي من اصل سوري قام بتوريد مواد ومعدات لصناعة اسلحة كيماوية
القشةالتي قصمت ظهرالدب الروسي
5- هذه القشة هي تصريحات السفير السعودي في الامم المتحدة حيث عبر عن موقف بلاده(وموقف المجموعة الدولية الفاعلة بالملف السوري حيث تعتبر المملكة حجر اساس لتنفيذ اي سياسة بالمنطقة) بكلمته الاخيرة والتي عنوانها لاتصدقوهم وملخصها ان النظام السوري هو نظام إبادة بشرية وليس نظام مارق او دكتاتوري…لايمكن التوصل لاي اتفاق مع انظمة الابادة البشرية حتى بعد حرب..اذا لابد من استئصالها تماما (كنظام هتلر) ..
وصلت الرسالة للروس ان هناك قرار دولية بسكب سطل ماء متجمد على كل المساعي الروسية لتعويم النظام سياسبا ومن ثم اقتصاديا او بالعكس…اذ ان *لادولار لإعادة الإعمار ولا تطبيع مع بشار* هو موقف دولي وانه من الممكن تم صنع فخ او مازق او مستنقع سوري لروسيا بحيث تبقى تستنزف ولاتستطيع التقدم خطوة للامام ولا التراجع خطوة الى الخلف..اصيبت بصدمة عبر عنها لافرنتيف مؤخرا وحاول تخفيف اثرها بل حتى تكذيبها(بتبادل ادوار) من قبل بوغدانوف ..وبدا ان الروس يوصلون الامور لحافة الهاوية فيما الامريكان سعيدين باستنزاف كل القوى المنخرطة بالشان السوري للتخفيف من طلبات الرؤوس الحامية بعد إنهاكها وقبل الجلوس الى طاولة مستديرة.
ويبقى كالعادة الشعب السوري يتحمل كل اوزار الصراع الدولي في سورية وعلى سورية.