هل من سبيل لخروج السوريين من مأساتهم ؟

[بقلم أ. مازن عدي]

رغم الاختلاف الذي يعيشه السوريون في اوضاعهم حسب منطقة النفوذ التي يخضعون لها على الارض السورية او في مناطق اللجوء والشتات الا ان ما يوحدهم المأساة التي يعيشونها بدرجات مختلفة ووقوعهم كضحايا لنهج سلطة دمرت وأحرقت البلد وشتت وهجرت البشر بدعم من حلفائها للحفاظ على امتيازاتها ونهبها و موقعها المغتصب للحكم بل او صلت البلاد الى خراب وافلاس وتشتيت اكثرمن نصف السكان والى إفقار شديد لمن تبقى تحت سيطرتها الى درجة انعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة ؛ وبات اكثر من 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر ، كما استغلت المترددين ومن ضللتهم طائفيا وقودا في حربها على الشعب لقمع الاتفاضة السلمية /الثورة التي عمت البلاد بعد عقود من القهر والعوز والفساد وسلب الحريات والإلغاء الممنهج للسياسة من المجتمع .

هذا الواقع المزري الذي بلغته المأساة السورية وتحولها الى اكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية لاتزال مستمرة طيلة عشر سنوات بل تتفاقم ما لم يجر العمل الجاد لإزالة المسبب الرئيس لها المتمثل بالسلطة الحاكمة وما شرعنته بشكل مباشر وغير المباشر لكل الاحتلالات والميليشيات وجماعات الاجندات التي تواجدت على الارض السورية . وإذا كان المجتمع الدولي المتردد والمتخاذل قد عجز عن مساعدة الشعب السوري وتضحياته اللامحدودة في مطالبه المحقة في الحرية والكرامة ودولة المساواة والمواطنة الا انه اصدر قرارات عبر الأمم المتحدة بمقدورها اذا توفرت إرادة جدية ان تضع البلاد على سكة الحل من خلال الانتقال السياسي و من خلال فكفكة (المركب العسكري الأمني )الحاكم واعادة توحيد البلاد وخروج الاحتلالات بأذرعها المختلفة .

كيف السبيل الى ذلك رغم مضي سنوات على بيان جنيف 1 والقرار 2254؟

هل يمكن البحث عن إمكانية واقعية لمخرج يفتح طريق المستقبل لتطلعات الشعب السوري رغم التعقيد الكبير التي أخذته الأوضاع السورية وارتباطها بملفات إقليمية ودولية إذ لا يمكن أن يحصل اي استقرار بدون إعمار وإيجاد مخرج سياسي .

هذا الأمر مرهون بتوفر جملة من العوامل الموضوعية والذاتية من أهمها على الصعيد الموضوعي توفر إرادة أميركية جدية تجاه القرارات الدولية من خلال توافق دولي او بدونه لأنها تبقى المايسترو المقرر في صياغة اي حل سياسي في المنطقة وأيضا عامل ذاتي مهم ومؤثر يرتبط بنجاح السوريين باستعادة زمام المبادرة وبجعل قضيتهم حاضرة وواضحة على صعيد الرأي العام الدولي وفي كل المحافل كقضية شعب منكوب يتطلع للحرية بسبب سلطة غاشمة لا شرعية شنت الحرب عليه منعا لأي تغيير وليس حربا أهلية أو بؤرة للارهاب .

هناك مؤشرات إيجابية تجعل من موضوعة (التغيير قادم ) قابلة للتحقق لابد من رؤيتها :

  • استنفاذ حالة الاستنقاع الوضع السوري الى حد كبير والتي كانت تلبي مصالح أطراف دولية واقليمية وقوى أمر واقع بعد انجازاتها التخريبة البنيوية التي طالت المجتمع والبنى التحتية والاقتصاد والديمغرافية والإنسان … يتجلى ذلك بالتكلفة الباهظة لاستمرارية هذه الحالة وفي العجز الفاضح بالوضع الاقتصادي للنظام لتمويل اجهزته الحربية والقمعية والحد الأدنى لاستمرارية مؤسسات الدولة (الموارد الداخلية لاتغطي عشرة بالمئة من الاحتياجات ) وقصور حلفاء النظام روسيا بوتين وملالي طهران في استمرار التمويل الى اجل غير مسمى بظل العقوبات التي يتعرضون لها ومنها قانون قيصر الامريكي ،افتقار ايران لحرية تدفق أموال العراق التي كانت تقدمها حكومته السابقة العميلة لإيران .
  • نمو إرادة دولية أمريكا ومعها أوربا بعد مضي عقد على المأساة السورية بتأكيد لا شرعية للأسد وانتخاباته والإعلان عن مسؤولية النظام السوري بجرائم استخدامه السلاح الكيماوي والبدء بمحاكمة المتورطين بجرائم الحرب للعودة لتطبيق قرارات جنيف .
  • فشل مساعي الروس لإعادة تسويق نظام بشار وتوفير الدعم المالي والسياسي له من قبل دول الخليج رغم البروبغندا الكبيرة التي يقفون خلفها للاجهاز على فكرة هيئة الحكم الانتقال السياسي المتضمنة في جنيف 1 والقرار 2254.

-التفسخ الكبير في البطانة الحاكمة والاضطراب في القرارات التنفيذية نتيجة التنافس الروسي الإيراني وتمايز مشروعيهما .

-انبعاث قيم الحرية والكرامة و عودة الروح للحراك الشعبي الذي ترافق مع الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة وتراجع الخطاب الايديولوجي المنغلق ونمو ظاهرة الحوار بين النخب السورية وانتشار الندوات .مع تململ واسع لقطاعات موالية او مغلوب على امرها بعد التدهور الشديد في الوضع الاقتصادي .

كل هذه المؤشرات تدفع للتفاؤل بقرب الخروج من هذا النفق المظلم… وبمقدار دفاع السوريين عن قضيتهم ونجاحهم في بناء مؤسسات سياسية وعسكرية ومدنية مستقلة وترسيخ قيم دولة المواطنة وتمسكهم بالخيار الديمقراطي ومبدأ فصل السلطات ..يتحول السوريون الى رقم فاعل يفرض نفسه على المجتمع الدولي للبدء بفكفكة هذا النظام السرطاني الذي عمل على اخراج كل عفن التاريخ لاستمرار بقائه ، والسير بطريق العدالة الانتقالية وبناء عقد اجتماعي جديد .

هذا الشعب العظيم الذي اظهر طاقات كبيرة سيخرج من النفق ، وسيلفظ ايضًا كل عفن التاريخ الذي ظهر عل السطح .

إقرأ أيضاً: حين يتندر السوريون: مقارنات مؤلمة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.