هل باتت العلمانية ضرورة للمجتمعات الإسلامية؟

وحدة الدراسات الاجتماعية

الملخص التنفيذي:

إن الحجم الكبير والهائل لتوريط الإسلام في السياسة والحروب والفتن، التي جرت خلال العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين، يشير إلى مدى قوة الدين وتجذر في المجتمعات العربية أولاً، وإلى سعي كل الأطراف السياسية ــ سلطة/ معارضة، داخل/ خارج ـــ إلى استخدام الدين في معاركهم من أجل السلطة والاستحواذ على “الرأي العام”. الأمر الذي يشير في نهاية المطاف إلى أنّ الدين أصبح عاملاً فاعلاً في خضم المعارك الدنيوية، وهو ما يتعارض، ليس مع القيمة الروحية فحسب؛ التي من المفترض أن يختص بها الدين ويسمو بها، بل أيضاً مع ادعاء الإسلامويين الدائم في أن الدين والعلمانية لا يتلقيان، وأن الإسلام هو دين ودولة في آن واحد! إذ تأتي التحولات التي شهدها شرقنا البئس مؤخراً، بخاصة في سورية ولبنان والعراق وفلسطين وليبيا واليمن والمغرب وتونس والجزائر، لتثبت لنا حجم تناقض المواقف، وتشعب وتنوع التيارات التي تنسب جذرها إلى الدين الإسلامي، فهذا التنوع والطرق التي عبّر فيها عن نفسه في حقل الممارسة السياسية والمجتمعية اليومية، تشير إلى أننا أمام أحزاب سياسية؛ أكثر مما نحن أمام دين واحد يتعلق بالسماء، فهو مشدود إلى الأرض وانقساماتها أكثر مما هو متعلّق بوحدة السماء .

هذه الورقة تناقش السؤال المهم:

هل أصبحت العلمانية ضرورة للمجتمع الإسلامي؟ من خلال المحاور التالية:

  • المدخل
  • الانقسامات الإسلاموية حول قضايا دنيوية وليست دينية؟
  • العلمانية كحاجة لفض الاشتباك في الصراع على الإسلام!
  • ضرورة التسوية التاريخية بين الإسلام والمسلمين!
  • هل هناك حاجة للعلمانية إسلامياً؟
  • الصراع السني/ الشيعي على الإسلام والمنطقة!
  • الصراع على الإسلام داخل الدائرة السنية ذاتها!
  • الصراع الإسلامي السني/ الشيعي مع الطوائف الأخرى؟
  • اختراق الاستبداد السلطوي للمؤسسات الدينية! وتجييرها لخدمة أجنادته!
  • الخلاصة

المدخل

أغلب الانقسامات التي يختلف حولها إسلاميو الصف الواحد هي اختلافات سياسية دنيوية، فهم يختلفون حول السلطة والعلمانية والدولة والسلاح والجهاد والديمقراطية… وغيرها من المفردات التي تحيل إلى موروث دنيوي لا مكان للمقدس فيه.وهم أيضا يختلفون حول تفسير المقدس وموقفه من كل قضية من هذه القضايا، بل وصلت الخلافات حد تكفير بعضهم بعضاً حتى ضمن الصف الجهادي، فمثلاً الانقسام الشهير بين جبهة النصرة في سورية وتنظيم داعش في سورية والعراق هو انقسام سياسي وإن اتخذ صيغة لاهوتية في الظاهر، الأمر الذي يشير إلى أن الدنيوية قد وصلت حتى إلى التيارات المتشددة إسلامياً، ما يعني في نهاية المطاف أن الانقسامات داخل الطيف الإسلامي الواسع هي انقسامات دنيوية وليست لاهوتية كما يحاول أنصار هذا الصف الادعاء، ليأخذوا بهذه الحجة نحو المسار الذي يرفض العلمانية جملة وتفصيلاً، على اعتبار أنها بدعة غربية جاءت ضد الكنيسة، وأن الإسلام ليس فيه كنيسة، وبالتالي بطلان العلمانية في العالم الإسلامي، وهي حجة يثبت بطلانها الواقع الحي والانقسامي للمسلمين الذين انخرطوا في الشأن السياسي وسعوا للوصول إلى السلطة، بل أباحوا دماء بعضهم بعضاً في سبيل هذه السلطة، الأمر الذي يشير إلى مدى الحاجة إلى العلمانية كحاجة إسلامية قبل أي شيء أخر، وهذا ما يركز عليه درسنا هذا.

العلمانية كحاجة لفض الاشتباك في الصراع على الإسلام !

العلمانية بهذا المعنى الذي تحدثنا عنه آنفاً، تصب في خدمة الإسلام كدين، إذ تخلصه وتطهره من هذا الاستخدام الدنيوي له، لأن فصل الدين عن الدولة في الصيغة المشدّدة للعلمانية، أو حياد الدين عن الدولة في الصيغة المخففة للعلمانية، هو أمر يصب في صالح الإسلام في نهاية المطاف، لأنه يخلصه من التوظيف السياسوي والاستخدام الرخيص من قبل السياسيين في ساحة المدنس السياسي، ويساعده على الارتقاء بجانبه الروحي من جهة أخرى، والتفرغ لشؤون المسلمين الروحية من جهة ثالثة.إن ما شهدناه خلال العقد الأخير من تاريخنا الحديث، يذكرنا بحرب الثمانين عاماً وحرب الثلاثين عاماً داخل المسيحية بأوروبا، والتي نتج عنها في نهاية المطاف العلمانية كإجرائية لفصل أو حياد الدين عن الدولة، ومنذ ذلك بدأت أوروبا طور نموها وتطورها وحداثتها؛ التي لا تزل تتنامى؛ وتتطور يوما بعد يوم، ليس على الصعيد السياسي والاقتصادي فحسب، بل أيضاً اللاهوتي. فمنذ تحرّر الدين من شقه الدنيوي وصراعاته السياسية، تطور فيه الجانب اللاهوتي، واغتنى وأصبح أكثر قرباً من السماء، وأكثر إنسانية، في حين أن الإسلام، ومنذ إيقاف الاجتهاد داخل الإسلام وقتل المعتزلة، انتصرت الصيغة الأرثوذكسية منه، وبدأ العالم الإسلامي طور انحداره، السياسي والروحي في آن معاً، إذ لم تحدث في الإسلام الثورات الروحية التي شهدتها الأديان الأخرى، ولا حتى الثورات الفكرية التي قرأت النصوص المقدسة قراءة تاريخانية ومعاصرة، بل أصبح الإسلام أكثر تورطاً في الشؤون الدنيوية، مثله مثل المسيحية حين كان يستخدمها الملوك في معاركهم وخصوماتهم، سواء فيما بينهم أم في حربهم ضد الآخرين، وهو ما يشهده العالم العربي والإسلامي منذ قرون طويلة، وليس هذا الذي شهدناه في العقد الأخير سوى امتداد لهذا التراث الممتد في التاريخ منذ هزيمة التيار العقلاني المعتزلي في الإسلام.

ضرورة التسوية التاريخية بين الإسلام والمسلمين!

الغريب والمفارقة الماثلة أمامنا اليوم أن العلمانية التي كانت تقدّم من قبل الإسلامويين على أنها منتج أو فيروس غربي لكسر راية الإسلام، بات الإسلام ذاته هو من يحتاجها من داخله؛ كما أثبتت التطورات الأخيرة، وذلك لإيقاف الحرب بين المسلمين أنفسهم، وليس بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسلمين والعلمانيين فقط.صحيح أن حجم الاستقطاب العلماني/ الإسلامي خلال السنوات العشر الأخيرة، كان كبيراً، ودفع الشرق البائس أثماناً كبيرة له، إلا أن الصراعات داخل الطيف الإسلاموي كانت أكبر بكثير، وكانت أثمانها الكارثية على المنطقة العربية أعلى بكثير من أثمان الصراع الإسلامي/ العلماني.ولعل الناظر اليوم إلى الساحة العراقية والسورية والليبية واليمنية؛ تشي بحجم الاستقطاب والصراع الناجم عن اختلاف الرؤى بين الإسلامويين أنفسهم، الأمر الذي يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام اليوم بات يحتاج إلى تسوية تاريخية، تسوية تقوم على تثويره من الداخل باتجاه إرساء أسس سلام بين مكوناته، تكون منطلقا لتسوية مع الآخرين، وهذه التسوية لا يمكن أن تكون دون ثنائية العلمانية والديمقراطية. إذ ينبغي التصالح معهما ــ العلمانية والديمقراطية ــ ليس بالضرورة عبر صيغة متشددة كما في الحالة الفرنسية، بل عبر صيغة ربما أقرب للصيغة الألمانية، التي تترك للدين بعده الروحي والاجتماعي والسياسي أيضاً، إنما السياسي من بعد أخلاقي وليس دينياً مباشراً، فالأحزاب المسيحية في الغرب ليست أحزاب مسيحية أرثوذكسية؛ تفرض نموذجها الديني على المجتمع، بل هي أحزاب سياسية تستظل بالمظلة الأخلاقية للمسيحية، وتهتدي بها في سياساتها.إنما لا تأخذ الدين معها إلى البرلمان والحملات الانتخابية، ولا تحشره في قضايا المواطن اليومية؛ لتتدخل في تنظيم العلاقة بين المرء وجسده أو زوجته أو طريقه صلاته، فهذا أمر يترك للكنيسة باعتبارها المختصة بعلاقة الإنسان مع اللاهوت، أما فيما يخص علاقة الإنسان كمواطن فهو من اختصاص الدولة والأحزاب التي تحصر عملها في رعاية الإنسان كمواطن لا غير. لا يعني هذا أن الأحزاب المسيحية أو الدينية ليس لها كلمة فيما يتعلق ببعض القضايا الدينية، بل على العكس، إذ كل منها له رؤية ما، مثال على ذلك؛ الأحزاب المسيحية في الغرب على اختلاف ألوانها لا تؤيد مسألة المثلية والإجهاض، وهي تطرح هذه المسائل ضمن برامجها الانتخابية ولكنها لا تطرحها بطريقة دينية بل تطرحها بوصفها برنامجاً سياسياً، ولا تصادر أو تكفر من يطرح الرؤى المضادة لها، أو يخالفها الرأي، وتترك الكلمة الأخيرة للرأي العام والسلطة التشريعية، كما يحق للأحزاب الأخرى تأييد ما ترفضه الأحزاب الدينية والدفاع عنه، وبذلك يتنقل السجال حول مسألة ذات بعد ديني؛ من الشأن الديني إلى الشأن السياسي، وفق مقتضيات الديمقراطية وصندوق الانتخاب، أو بلغة أخرى ينتقل السجال حولها من الشق العمودي إلى الشق الأفقي، بما يمنع تحولها إلى انقسام عامودي/ شاقولي حاد ينعكس أثره على المجتمع.

هل هناك حاجة للعلمانية إسلامياً؟

نعم، إن الحاجة إلى العلمانية إسلامياً تفرضها اليوم عدة سياقات؛ يمكن التقاطها بوضوح من في شرقنا البائس ومن داخل الإسلام نفسه؛ منها:

لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر حجم الاستقطاب الشيعي/ السني في شرقنا البائس:

إنه استقطاب ممتد على كامل مساحة شرقنا البائس، وهو صراع أصبح صراعا يومياً ودموياً بين دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية وولاية الفقيه بإيران، وهو صراع نرى أثمانه الباهظة في سورية والعراق واليمن ولبنان بشكل مباشر، ونرى أثاره بشكل غير مباشر في الصراع الإيراني/ الخليجي حول الملف النووي الإيراني، وهو الصراع الذي أثر على السياسة الخارجية لدول الإقليم كافة. بعد الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ انفجر الصراع السني/ الشيعي في بغداد، وقد عمل بعضهم على مقاربة المسألة كأحد نتائج الغزو؛ عبر تعليق أمراضنا على مشجب الآخر أو الاستعمار، لكن اليوم لم يعد أحد يشكك بأن لبّ المشكلة يتعلق بالإسلام وبصراع قطبيه السني/ والشيعي، وهو صراع يمتد على امتداد التاريخ الإسلامي منذ حربي الجمل وصفين ثم مقتل الإمام الحسين. إذن ونحن هنا أمام صراع إسلاموي مدمر، بحيث لا أحد يقبل الآخر أو يعترف به؛ إلا في مؤتمرات حوارات الأديان التي تحاور كل شيء إلا الأديان في حقيقة الأمر، في حين أن الموروث الفقهي للطرفين يحفل بأطنان من الكراهية المتبادلة والمدونة حتى اليوم في كتبها الصفراء، دون أن يجرؤ أحد على نقدها وتعريضها للنقد التاريخي العلمي. لقد كان الراحل جورج طرابيشي من أوائل من كشف عن هذا التراث القاتل في كتابه (هرطقات ٢) حين سلط الضوء على نماذج واسعة من هذه الكراهية المتبادلة، التي تحفل بها كتب الطرفين الشيعي والسني. اليوم، باتت هذه الكراهية معلنة وممتدة على امتداد الوطن العربي، ولم يعد بالإمكان لأحد إنكارها، فالحوثيين في اليمن؛ وحزب الله في لبنان، والمليشيات الطائفية في العراق تقود حربها الطائفية بمواجهة تنظيم القاعدة وداعش، وغيرها من التنظيمات التي تستظل بالمظلة السنية، الأمر الذي يعني أننا أمام حرب سنية/ شيعية! تشبه الحرب التي جرت داخل المسيحية سواء حرب الثمانين عاماً أو حرب الثلاثين عاماً قبيل معاهدة “ويستفاليا”، ما يعني أن العلمانية باتت حاجة يحتاجها الطيف الإسلامي من هذا الباب .

الصراع على الإسلام داخل الدائرة السنية ذاتها !

إن التأمل في حجم الصراعات التي جرت داخل الطيف الإسلامي السني، وحجم الاختلاف في القراءات والرؤى وحجم التنوع في أشكال الإسلام السياسي من جهة والجهادي من جهة، وتوزع هذا الإسلام على ثلاثة أطياف بين الجهادي والسياسي وما بعد السياسي. وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الصراعات التي شهدتها الساحة السورية بين فصائل إسلامية سنية، سندرك حينها أن العلمانية باتت حاجة وضرورة، كي يتمكن الإسلام السني من مغادرة مربع العنف والدم الذي يرقد فيه، فالعلمانية بما هي إجرائية تفصل الدين عن الدولة أو تحيده دون أن تفصله عن المجتمع، تساعد هنا على إجراء تسوية بين هذه الأطياف السنية المتصارعة، عبر اعتراف كل منها بالآخر، بعيداً عن لغة الكراهية والتقسيم والتكفير. وهذا يصب في نهاية المطاف في صالح الإسلام! إذ يحرّره من هذه الحروب التي تحدث باسمه والجرائم التي ترتكب باسمه، علماً بأن تحرّره من هذا؛ يجعل الدين أكثر إنسانية وروحانية، ويساعد بالوقت نفسه الدين على تطوير نفسه في الحقل اللاهوتي، حيث شهد الجانب اللاهوتي قصوراً وتراجعاً كبيراً في الإسلام بكافة أطيافه (السني والشيعي والأقليات).

الصراع الإسلامي السني/ الشيعي مع الطوائف الأخرى؟

لم تكشف السنوات العشر الأخيرة عن حجم الاحتقان داخل الطيف السني فحسب، أو بين السنة والشيعة فحسب أيضا، بل أيضاً بين هذين المكونين الرئيسيين للإسلام ــ سنة وشيعة ــ وبين الطوائف والأديان الأخرى. فالدول العربية والإسلامية تحتوي طوائف كثيرة بعضها ينتمي للإسلام (العلويون، الموحدون الدروز، الإسماعيليون، المرشديون، البهائيون إلخ…) وبعضها ينتمي لأديان أخرى (اليهودية، المسيحية، البوذية، الهندوسية…)، حيث لاحظنا في سورية مثلاً اصطفاف بعض ومن الأقليات الدينية إلى جانب الاستبداد، وهذا ليس اصطفاف سياسي بقدر ما هو في عمقه اصطفاف ديني. صحيح بأن الاستبداد جيّر هذه المسألة لصالحه؛ وعرف كيف يستخدمها، إلا أن الصحيح أيضاً أن بعض هذه الأقليات احتمت بالاستبداد خوفاً من الآخرين، الأمر الذي يشير إلى حجم فقدان الثقة وحجم الصراع والتضاد القائم، هو صراع يمتد ويعود إلى التاريخ، الأمر الذي يوضح لنا في نهاية المطاف أن العلمانية مع توأمها الديمقراطية ضرورة لحل هذا الإشكال بين الإسلام وطوائفه الصغيرة من جهة أخرى، وبين الإسلام والأديان الأخرى أيضا. وهنا من الضروري الإشارة إلى نقطة مهمة تتعلق، بأن النقد الديني غالباً ما يركز على الإسلام السني أو الشيعي، دون أن يأتي على الأقليات وبنيانها الطائفي اللاهوتي والسياسي، مع العلم أن ما ينطبق على التراثين السني والشيعي من ناحية خطاب الكراهية وتكفير الآخر ينطبق أيضاً على المكونات الأخرى. وهنا تكمن أحد الصعوبات الماثلة في هذا السياق، لأن أغلب معتقدات الأقليات تكون باطنية سرية، وبالتالي يصعب الحصول على المدونات الفقهية الخاصة بها؛ لوضعها تحت سياق النقد والملاحظة والدرس، وأيضاً لتكوين قراءة تاريخية لها، ودون هذه القراءة التاريخية التي ينبغي أن تطال كل المكونات الطائفية، ستبقى الأمور قاصرة، لأن مرجل الكراهية يشتغل عند الأطراف كلها، ولا بد من العمل على نزعه إذا أردنا أن نسير قدماً نحو المستقبل.

اختراق الاستبداد السلطوي للمؤسسات الدينية! وتجييرها لخدمة أجنادته!

كشف لنا الربيع العربي مؤخراً حجم اختراق الاستبداد للجسم الديني وتجييره لخدمة أجنداته، فالإسلام الرسمي المؤسساتي بكامله مخترق من هذه السلطة الاستبدادية أو تلك، إذ يستحيل لأي مؤسسة دينية أن تستقل عن السياسي أو تعمل بمفردها دون رضى السلطة عنها. وقد تبين لنا مؤخراً أن الكثير من ظاهرة الدعاة والقنوات الفضائية هي صناعة مخابراتية، حيث تشرف المخابرات على المجال الديني بشكل واضح ومباشر، بل إن بعض رجال الدين يلعبون دور الأداة لصالح هذه السلطة أو تلك، ولا يترددون بإصدار الفتاوي وتفسير الدين، بما يصب في صالح هذه السلطات، ولعل بلدان مثل مصر أو سورية والعراق، تعد أمثلة واضحة إلى حجم اختراق السلطة للجسم الديني، حيث يوظف رجال الدين خطابهم لصالح السلطة. ولعل ظاهرة المفتي أحمد بدر الدين حسون في سورية ومن قبله محمد سعيد رمضان البوطي، وغيرهما في أنظمة الشرق البائس كثيرون! تعد أمثلة واضحة على كيف يعمل رجال الدين لصالح الاستبداد. وكان الخاسر الوحيد من هذه الاستغلال السلطوي للدين هو الإسلام نفسه، لأنه يخسر رصيده الروحي لصالح رصيده الدنيوي، الأمر الذي يوضح أن العلمانية باتت حاجة إسلامية، لمنع هذه السلطات المستبدة من استخدام الدين وتجييره لصالحها، فحين يفصل الدين عن الدولة، أو يحيّد؛ تنتزع ورقة الإسلام أو الدين من يد السلطات المستبدة عموماً. وهنا نضع يدنا على واحدة من المسائل التي كانت أحد أسباب فشل الربيع العربي، بما يعني في بعد آخر أن العلمانية تساعد على نجاح الثورات، لو تعلمنت المجتمعات العربية والإسلامية، وحين نقول تعلمن المجتمعات نعني بذلك بقاء الدين في الحيز الروحي والشخصي للإنسان، وتحكيم العلم والمعرفة في باقي المسائل الحياتية والمعاشية الأخرى، بحيث يبقى القول الفصل في التعليم والطب والصحة للعلم، وفي الجانب الديني الروحي يكون للدين موقعه الخاص شريطة ألا يتدخل في معتقدات الآخرين وسلوكهم اليومي.

الخلاصة

فهل ما يحصل بعد الذي قدمناه في عالمنا اليوم من حروب وكوارث باسم الإسلام أو الدين هو المقدمة التي ستعطي العلمانية شرعيتها من داخل الدين، كما حصل في المسيحية؟ وتَحْدُث التسوية الإسلامية مع الدنيوي؟ وهل نحتاج إلى حرب الثمانين أو الثلاثين عاماً داخل المجتمع الإسلامي؛ كما تقول بعد الدراسات الأمريكية؛ حتى نقتنع بذلك؟ مع العلم أن هناك حرباً باردة وحارة إسلاموية/ إسلاموية ممتدة منذ موقعة الجمل حتى يومنا هذا! فهل تأخرنا في وعي ذلك الصراع إلى هذا الحد؟

المراجع :

• جورج طراييشي، هرطقات ١، دار الساقي.

• جورج طرابيشي، هرطقات ٢، دار الساقي.

• هاشم صالح، معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا، دار الساقي.

• فرانسوا بورغا، فهم الإسلام السياسي.

أ.احمد الرمح

تقدمة لسوريا الأمل

تعليق 1
  1. مصعب البيطار يقول

    كلامك عن العلمانية وحونها ضرورة ملحة يفتقد الى المصداقية بل انه يكاد يسقط في مستنقع التدليس فالعلمانية تحكم في بلادنا العربية منذ اكثر من مائة عام ولم يبق نظرية علمانية الا وتم تبنيها من الانظمة العسكرية المستبدة التي حكمت بلادنا على مر المئة سنة الماضية بدءًبالاشتراكية على اختلاف مدارسها ومشاربها الى الرأسمالية الى الليبرالية الحديثة وكلها نسهم في زيغدة بؤس تخلف المسلمين وتبعيتهم للشرق والغرب من اصحاب هذه النظريات اما الاسلام ويا للاسف فلم يسمح له بالحكم كنظرية سياسة الا في تيران وهي شكل مشوه للاسلام منحرف بل ويقوم على احقاد قومية فارسية ارتدت الاسلام قناعا لتدميره من الداخل اما التنظيمات الاسلامية فعملها السري تارة والعلني تارة والحرب المعلنة ضدهم منذ ايام عبد الناصر وحتى يومنا هذا واختراق هذه التنظيمات من رجال مخابرات لاستخدامهم في تشويه صورة الاسلام واظهاره بصورة دموية متطرفة كل هذا وتأتي اتقول ان الاسلام بحاجة الى العلمانية على العكس تماما ان اكبر عائق امام تطور الاسلام تطبيقه بشكله الصحيح هم العلمانية الداخلية المتمثلة بالنخبة الحاكمة واتباعها من المنتفعين ووالعلمانية الخارجية المتمثلة بالغرب والنظام تلعالمي الذي يتحكم به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.