شركة إماراتية تستحوذ على 44% من أسهم شركة “MNG” التركية للشحن التجاري، خبير مصري: أسعار بعض السلع قد تنخفض في حال التعامل بالعملات المحلية مع تركيا، تطلّع تركي سعودي لتعويض ما فات في العلاقات.
وهكذا عشرات العناوين تتحدث عن الاتفاقات ونقلة العلاقات وزيادة حجم التبادل، تنشرها يومياً وسائل الإعلام التركية، المحسوبة على الحزب الحاكم على الأقل، تشيد بتحسن وعودة العلاقات التركية مع مصر والسعودية والإمارات.. فماذا يعني؟!
يعني أن تركيا هي من بادر وحاول مع تلك الدول لإعادة العلاقات وطي صفحة ومرحلة الخلافات التي وصلت يوماً، بعد الوعيد والإساءات اللفظية، إلى ما قبل التصادم بخطوة.
ويعني أن تلك الدول التي تحركت بإيحاءات خارجية، بغالب الأحايين، فتوعدت تركيا وحاربت سياحتها وعملتها، بل وأسست منتديات وتحالفات لمواجهة أحلام أنقرة الطاقوية، عادت إلى الرشد الجغرافي والتاريخي، بعد أن أيقنت أنها وظفت أداة ولم يتحقق ما وعدوها بها.
ويعني في ما يعني أن تركيا عادت عمّا كان خطوطاً حمراء، إن لجهة الانقلاب بمصر أو مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول أو حتى عبث أبوظبي العلاني بالاقتصاد والسياسة للحد الذي وصل لتمويل ودعم الانقلاب الفاشل عام 2016 وفق ما تناقله الإعلام التركي حينذاك.
وربما، بواقع النظر برؤية أوسع يعني أن استمرار رفع الجدران الأوروبية بوجه تركيا والحؤول دون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، دفع أنقرة إلى ماب عد “صفر مشاكل” كأن ترى بدول الجوار العربي الملاذ والشريك، فهي الأشهى والأقرب، فلا ضير من استدارة هنا طالما أن الاندماج الأوروبي يتطلب نسفاً لملفات ومواقف كثيرة وليس استدارة فحسب.
قصارى القول: بدلت زيارة الرئيس التركي لمصر والإمارات أخيراً من كثير من المواقف وربما القناعات. بعد أن وصفت بزيارة جني ثمار المفاوضات والتفاهمات الممتدة لخمس سنوات، وأسست على الأرجح لطبيعة علاقات جديدة تنطلق من عدم التدخل بما هو خارج الحدود، وأصّلت لمرحلة منطلقها الظاهر زيادة التبادل والاستثمار وجوهرها غير المعلن ربط مصالح الدول كنواة لتكتل إقليمي يجهض ولو بعض التدخلات الأوروأميركية.
ويبعد، ولو قليلاً، إدمان التبعية للإنتاج البعيد ويزيح سيوف المساومات عن رقاب دول المنطقة التي سيقت، خلال عقود سابقة، نحو أوهام الأعداء الجدد ومخلصي الحاضر والاتفاقات طويلة الأمد، خاصة أن هوامش الالتقاء وتقاطعات التكامل بين دول المنطقة، المنتجة للطاقة والمواد الأولية وذات الأسواق الواسعة، يمكن، بحال تبلورت ملامح تكتل أو توافق متين، أن تكون لاعباً ومؤثراً بمستقبل يوحي بكل ملامحه إلى إعادة تشكيل جغرافي وسياسي للعالم بأسره وليس لدول الشرق الأوسط فقط.
نهاية القول: ثمة أسئلة تتوثب على الشفاه هنا، ربما أولها يتعلق بالبراغماتية التي أبدتها الدول المتقاربة، وإن كانت شارات التعجب بعد علامات الاستفهام تطاول الموقف التركي أولاً.
ليأتي سؤال ترك هذا التقارب يسير على السجاد الأحمر بيسر وسلاسة، من الدول المتأذية من تحسين العلاقات والتبادل بين تركيا والدول العربية، فماذا يمكن أن تفعل الدول الأوروبية المناصبة العداء، أو تضارب مصالحها وأهدافها مع أنقرة، إن بباريس أو أثينا، لأن مجرد الحديث عن غاز المتوسط أو قبرص الشمالية يمكن أن ينفض الرماد المتراكم عن جمر الخلافات العميقة.
وربما الأهم بالموقف الأميركي الذي يعي واختبر غير مرة العناد التركي وما ترمي إليه أنقرة بتحولها إلى لاعب يرفض أن يُحكم العالم من خمسة، فيما تغوص الولايات المتحدة في قضايا وملفات المنطقة أكثر، على عكس ما روّجت من إعادة تموضع وانسحاب تدريجي وخروج من مستنقعات العراق وسورية بأقل الخسائر.
ولعل هذا هو السؤال الأصعب الذي يغطي على حجم تبادل يقترب من 70 مليار دولار وانتشال مصر وتركيا من مستنقع التضخم وتراجع سعر عملتيهما وكل ما يقال عن استثمارات ومصالح الشعوب، وهو إسرائيل.
لأن من يتفكّر بالقطبة المخفية بالتقارب الجديد، سيرى إيران وأدواتها واضحة ومرشحة على غير احتمال، لكنه إن أمعّن ودقق، إنما سيرى إسرائيل وإعادة التطبيع الشامل ورسم جغرافيا بحدود برية وبحرية جديدة وتاريخ يعاد كتابته من جديد.
بيد أن الحرب على غزة هي المعيق الحقيقي اليوم لكشف تفاصيل وملامح التكتل، وما سينتج عن الحرب، هو المنطلق غداً لمعرفة طبيعة وحتى أفق التقارب.
غزة هي الطارئ الوحيد الذي قد يحيل كل ما عدا حقوق وإدارة الشعوب إلى طارئ ومتبدل، وربما حسن كتابة صفحتها اليوم، من إنصاف وتأييد للوصول، مع باقي الأراضي الفلسطينية إلى دولة، هي الضامن القابل للاستمرار، ليس إلى التقارب العربي التركي فحسب، بل ولملامح الدول والحدود والعلاقات بالمنطقة كلها.