هناك من يتوهم، ليس فقط في صفوف النظام ومواليه، بأن بقاء الأسد هو اقرب للواقع على ضوء المستجدات السياسية الاخيرة: من رغبة العديد من الدول العربية بالتطبيع مع النظام، ومن اصوات تتعالى عن انتصار الاسد في الحرب ومن انفتاح عربي على النظام تجلى بالحديث عن تمديد انابيب الغاز المصري (الاسرائيلي في حقيقته) الى لبنان ومن خلال غض النظر أمريكيا عن جزء من عقوبات قانون قيصر وغيرها .
والنظام الاردني يلعب هذه الأيام بالنار ولا غرابة في ذلك. فالنظام الملكي في الاردن لم يُعرف عنه اي موقف قومي مستقل منذ تأسيسه على يد الانجليز وهو قائم كليا على المساعدات ويتبع السياسة الأطلسية بامتياز. ولذلك فهو يروج لانفتاح على النظام شهد اتصال هاتفي مع طاغية دمشق بحجة ان الانفتاح افضل من المقاطعة التي تزيد ارتماء الاسد في احضان االنظام الايراني. ولكن الملك يصرح بشيء ويفعل شيئا اخر فانفتاحه على الاسد الذي جاء بضوء اخضر امريكي ما هو الا انفتاح واستسلام فعلي أمام النظام الايراني شريك اسرائيل وامريكا في مصائب المنطقة. وقد حذر الاحرار السوريون من أن سيطرة ميليشيات ايرانية على منطقة حوران تعني وضع الاردن تحت خطر الاجتياح من قبل ايران وحزب الله، ولكن الملك سارع وقدم تنازلات قبل ان يصله الايرانيون. ويقال انه اجرى اتصالات سرية مع نظام الملالي علما انه كان اول من تحدث في المنطقة عن الهلال الشيعي وخطره. والملك عبدالله الثاني ابن الحسين صديق اسرائيل الودود وهذه مدرسة في الخيانة والتآمر على الشعوب العربية.
وتستمر الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا بممارسة سياسة النأي الحقيقي عن النفس حيال جرائم الاسد وايران وروسيا بحق السوريين، بالرغم من الوضع الكارثي بكل ابعاده في سوريا والمعاناة الكبرى للسوريين من جوع ومرض وعطش وظلام وغياب للتعليم والحياة الطبيعية، وانعدام الأمن والاستقرار واليأس من المستقبل. كل ذلك يحدث اليوم بعد أن قدم السوريون مليون شهيد ودمر الطاغية وحلفاؤه البنية التحتية وهجروا ثلثي الشعب السوري وشردوا ملايين الأطفال وحرموهم من التعليم والطفولة الآمنة، ويقبع في سجون الطاغية مئات الالاف من أحرار سوريا بما فيهم الشباب والسياسيين والنساء والاطفال.
طبعا روسيا انخرطت في دعم النظام وهي السبب في بقائه حتى اليوم. وهي تدخلت عسكريا بضوء اخضر ورضى امريكي فلا أحد من المجتمع الدولي يريد بالفعل اسقاط النظام الاسدي، فهو متجذر بالارهاب والخيانة، وهو حامي حدود اسرائيل ومانع لاقامة نظام ديمقراطي عصري ينقل سوريا الى دولة متقدمة تضاهي كوريا الجنوبية وماليزيا مثلا. فاسرائيل لا تريد ذلك وايران كذلك وأمريكا من خلفهم وروسيا بالطبع ضد الثورات والديمقراطية. كلهم اتحدوا في قمع ثورة السوريين الشعبية. وسيذكر التاريخ كيف أن روسيا اعاقت اسقاط النظام الاستبدادي القمعي الفاسد في سوريا ووقفت ضد ارادة الشعب السوري الطامح بشكل مشروع الى الحرية والكرامة.
يقوم النظام وابواقه الموالية بدعاية واعلام خبيث يصورون ان النظام ذاهب للاستقرار والبناء. ولكن من اين يمكنه الاستقرار بوجود عدة دول محتلة ومئات الالاف من الميليشيات الاجنبية الارهابية التي تدعمه او تتظاهر بانها ضده، ومن اي له الموارد ليقوم بإعادة الإعمار الاقتصادي؟
فالنفط شرقي الفرات تنهبه عصابات قسد، تحت رعاية امريكية، وتهرب الاموال الى جبال قنديل والاسد يبيع البلاد لروسيا وايران مقابل وعود ببقائه بالسلطة، والحقيقة هي أن روسيا ومعها ايران لا يملكان الاموال لبناء سوريا في المرحلة القادمة، خاصة وان ايران اصلا لا تريد السلم في سوريا بل تسعى لاشعال الحروب والقتل من خلال استخدام ميليشيات ليست ايرانية باغلبها.
ولكن لا تتوهموا ايها السوريون وتفكروا بأن امريكا تريد لسوريا ان تصبح دولة مدنية ديمقراطية حرة، فهذا لا يتفق مع السياسة الامريكية والانجلوسكسونية في المنطقة ولا ينسجم مع مشروع الشرق الأوسط الجديد. فالغرب لا يمكن ان يسمح لشعوب المنطقة والتي اغلبها من العرب والمسلمين بأن تحقق تقدما فالصراع الحضاري قائم شئنا أم ابينا، نسينا ذلك أم تذكرناه، اعتبرناه مؤامرة أم خطة استراتيجية.
لو ارادت امريكا لحلت المشكلة في سوريا ، ولو ارادت روسيا لقدمت خارطة للحل السياسيبعد مضي عشر سنوات من تضحيات الشعب ووحشية النظام وحلفائه . ولكن الدولتين الرئيستين في المشهد السوري يماطلون ويرددون مقولات فارغة من قبيل احترام القانون الدولي والقرارات الدولية وحق الشعب السوري بتقرير مصيره ووحدة سوريا ارضا وشعبا والخ..، لكنهم اول من يعيق تحقيق هذه القرارات والمبادئ. وهم اول من منع السوريين الاحرار من الاجهاز على نظام الطاغية ويقولون اتركوا السوريين يقرروا مصيرهم وهم يحتلون سوريا ويوزعونها بين 5 دول محتلة وعصابات قسد وهيئة تحرير الشام وفصائل تدعي انها من المعارضة والجيش الحر لكنها تمارس الفساد وانتهاك الحقوق، والاف المقاتلين المرتزقة من كل صوب وحدب.
وفي ظل تلك التطورات الأخيرة يروج البعض من جديد مقولة الواقعية السياسية والتي تقبل بالأمر الواقع ومقولة لا غالب ولا مغلوب!
ولكن هل استمرار الاسد سيحقق الاستقرار وبناء دولة جديدة يمكن ان يعيش فيها مواطن كريم. هذا مستحيل فبقاءه خطر ليس فقط على السوريين ومستقبلهم بل خطر على أمن المنطقة بكاملها وحتى على العالم. ويجب ان يعرف السوريون بأن من سيحكمهم في الفترة القادمة، مادام الطاغية موجودا، هم الشبيحة وحثالات المجتمع واقذر الناس من تجار الحروب واللصوص والمرتزقة التابعين لايران وروسيا.
اغلب السوريين اليوم لا يريدون الطاغية فقد اقتنعوا بان سبب البلاء في البلد هو هذه العائلة الفاسدة المجرمة التي تستقبل احد ابناءها المجرمين وهو رفعت الاسد الذي ارتكب جرائم كبرى ضد السوريين في حماه وتدمر وغيرها. ويتم اليوم تهريبه من القضاء الاوروبي الذي قضى بسجنه ومصادرة امواله التي سرقها اصلا من اموال الشعب السوري، وهكذا شهدنا كيف يحن الطغاة والمجرمون على بعضهم وخاصة ان هناك قرابة دم ومشاركة في ارتكاب الجرائم.
اليوم من واجبنا ان نتحدث عن الشعب السوري بمعزل عن عصابات النظام المجرمة وفصائل المعارضة الفاشلة، يجب ان نتحدث عن الوطن السوري وأن ندافع عن استقلاله من المحتلين والمرتزقة وأن نحافظ على وحدة ترابه وشعبه بكافة تركيباته القومية والدينية والطائفية. وان تكون بوصلتنا الأساسية هي كل السوريين أخوة ما داموا لم يتورطون بتلطيخ ايديهم بالدم السوري ولم يتورطوا بسرقة أموال الشعب والدولة.
سوريا يجب ان تكون حرة مدنية ديمقراطية تحفظ كرامة الجميع افرادا وجماعات بالتساوي ولا فضل لشخص على آخر الا بمدى اخلاصه وخدمته للشعب والبلاد.
سوريا للسوريين المستقلين الأحرار. نقطة انتهى.
يجب ان تتحد قوانا جميعا لكي نسقط نظام الطاغية وألا تبقى لدينا أوهام بأن هناك تناقض جوهري بين السوريين معارضة وموالاة ورماديين. فعدونا واحد هو النظام الاسدي ونحن كلنا كشعب سوري نريد التخلص منه.
المقال السابق