في العمق نخبنا الرثة

منذ أن حصلنا نحن السوريون على الاستقلال الأول عام ١٩٤٦وتحررنا من الاستعمار الفرنسي آنذاك، ولم تكن حينها قد تجاوزت ذواكرنا الجمعية بعدُ تداعيات الوجود العثماني الذي ترك في وجداننا أيضاً ما لا يحصى من الآلام والعذابات والمهانات التي سجلها تاريخنا المعاصر، مما سهل على القوى المتربصة بشعوبنا وبمنطقتنا من إحكام القبضة الحديدية على مقدراتنا وثرواتنا ومستقبلنا.

وهو الأمر الذي جعل منا وبالمعايير العلمية للدول المتقدمة مجتمعات تعيش حياة إنسانية متخلفة بعيدة عن التنمية الحقيقية وعن تحقيق ما تصبوا إليه من حرية ورخاء وعدل وتقدم.

حتى اذا ما جاءت الثورة السورية العظيمة عام 2011، فإذا بالعري والانفضاح يصيب أشد المواقع والدوائر المجتمعية لدينا حساسية وفاعلية ألا وهي نخبنا السياسية والثقافية، حيث انكشف حالها ودورها المعطوب في الثورة الذي وصل درجة الخيانة كما جاء في تقدير الكثير من الثوار ومتابعي الشأن العام، تلك الثورة التي بذل شعبنا من أجل انتصارها مئات الآلاف من الشهداء والتضحيات التي لا مثيل لها لدى أي شعب معاصر.

واليوم وبعد اثني عشر عاماً من الاستنقاع في مساحات الدم والقتل والتدمير التي فرضها المجتمع الدولي علينا ودفعَنا في فضاءات تؤسس لتجزئة الوطن او فقدانه إلى الأبد، وبعد احتلاله من قبل أكثر من دولة من الدول الكبرى مرة أخرى، نتطلع نحن السوريون إلى نخبنا علّها تجاوزت عطبها وعجزها وغدت بفعل التجربة الثورية كنخب باقي الأمم والشعوب التي لعبت الدور التاريخي المنوط بها فقادت ثورات شعوبها وحققت لها حريتها واستقلالها.

فلانجد أمامنا في مشهد سوريتنا الذبيحة سوى هياكل نخبوية تنوس بين فئات تمتهن الانتظار والتطلع إلى غد قادم يصنعه المحتل ويرسم فيه صورة لسوريا المستقبل يجد فيها مصلحته أولاً ويجد لمثل هذه النخب موطئاً لها فيه، فتراها تُزين وتُروج لهذا النموذج السوري القادم وتنتج له المسوغات النظرية تحت يافطة القرارات الدولية والأمم المتحدة.

وبين من يعيش منها على إيحاءات الدول المحتلة وصراعاتها ويراهن على السيناريو المحتمل والذي يتوقع له أن يتمكن من التحقق فيجهد ليستجمع بعض قواه المتناثرة على أمل ملاقاة هذا السيناريو الوليد فيحجز فيه بعضاً من موقع سلطوي في كيان الدولة المنتظر يتيحه له صاحب هذا السيناريو

وتحت عناوين صاغتها القرارات الدولية والأمم المتحدة أيضاً.

وهكذا..

يبدو شعبنا وكأنه لازال يعيش حالة يُتم وقطيعة تاريخية مع نخب يفرزها هو من بين صفوفه وتمثله حقاً وحقيقة، وتخوض به ومعه غمار صنع الحياة وبنائها ومواجهة تحدياتها بكل حرية واستقلالية وسيادية.

وتُسقط تلك النخب التي أوصلته تاريخياً إلى حد الثورة، وتركته وحيداً بلا نصير، ومن ثم ها هي تكرر نفس الدور التاريخي البائس دور التابع والمصفق لسيد الميدان المتوحش …

فهل سيمكر التاريخ؟!!

وهل يفاجئنا بمعجزاته؟!!

ربما..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.