عاشوراء من سنة نبوية الى دعوة ارهابية .


كل مجتمع يحمل في طيات تاريخة محطات مشرقة ووجها آخرا من القتامة والظلامية ، ومجتمعنا العربي هو من أكثر المجتمعات التي تتحدث غارقة في الحديث عن ماضيها متجاهلة حاضرها ، وربما يكون الأمر مفهوم عندما يجري الحديث عن صفحات إشراقاتها لتستمد منها قبسا من نور يهدي حاضرها ، ولكن عندما يكون الرجوع الى الماضي لنبش دفائن ظُلمته فإن ذلك لن يقود الحاضر إلا لمزيد من التقهقر والاحباط .
ظلاميوا العصر لم يعودوا قلة انما في تكاثر واتباع من الرعاع ، ولكن اللافت في دعوة للدكتور محمد حبش المفكر التنويري وفقا لما يتم تصنيفه ، حيث كتب على صفحته ( تابعت أمس الحشود المليونية في عاشوراء في العراق ولبنان وإيران…
كإنسان … لا يمكنني إلا ان أكون مع هذه الأشواق اللاهبة . ).
الحقيقة آثار لدي بعض استغراب وانا اعرف أن لهذا المفكر الإسلامي شطحات ، ولكن هذا التناقض بين مايكتب دائما فيجعل من نفسه رسول سلام بين الأديان وبين ماكتب الآن ففيه دعوة واضحة لمهرجان الأنتقام ، وهو الذي جعلني أتوقف قليلا عند كلماته .
أنا لست ندا أو فقيها لأجاريه سيما وهو المتخصص ، ولو أن الأمر يتعلق بعقيدة لما كان يعنيني الأمر كثيرا فلكل عقيدته وإيمانه ، ولكن عندما العقيدة تدعو الى الثأر والأنتقام وتدفع نحو التجييش الطائفي وما يمكن لها أن تحرك الغرائز ويحتمل أن تسيل فيها الدماء ، فإنها بذلك تكون قد تجاوزت حدود العبادة والعقيدة ، ويتطلب منا الوقوف بحزم لمنعها أو كبحها .
إن جد الحسين هو اقدس خلق الله عند المسلمين وأكرمهم ، ويوم وفاته كان هو اليوم الأكثر حزنا في تاريخهم ومع ذلك لم يخصص صحابته الأولون ولا سبطيه يوما للنحيب بذكرى وفاته ليقيموا فيه الاحزان والمآتم ، ولم يلطموا الخدود أو يشقوا الجيوب ، وكذلك الأمر مع صحابته الخلفاء الأربعة المبشرين بالجنة ، ولم يسبق أن أقام رسول الله مأتما على فقدان أبناءه ، ولكنه سن عيدي الفطر والأضحى لأجل أن يتناسى المسلمون بينهم مآسيهم و أحقادهم وضغائنهم، ونفض غبار الهموم عن كاهلهم ، واعطاء فسحة من راحة والاستعداد لمرحلة جديدة يُقبل فيها المسلم على الحياة .
فهل من العقل والحكمة بعد ١٤ قرن من الزمن أن نقوم بنبش أحقاد التاريخ التي تحتمل كثيرا من التزوير والكذب ، ومهما كانت المسؤولية على أي طرف من طرفي الصراع في ذاك الزمن البعيد فإن الله أسبغ عليهم صفة الإيمان مع صفة بغي أحدهم ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) فهل من المعقول أن نحمل خلافاتهم و نلقي بها على الأجيال اللاحقة ونكفرها لأجل حادثة تتكرر أمثالها في كل يوم وفي كل مكان من هذه الأرض حيث الطبيعة البشرية المحملة بالآثام تكون موجودة . ألا نتمثل قول الله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يفعلون ) وهل من وضوح أكثر من ذلك ، أمر إلهي يحذرنا من نبش ذاك التاريخ ويبرأنا جميعا من مسؤولياته ، لأن الله يعلم أن في نبشه شرورا وفرقة لنا ، فلماذا نأتي بمسؤوليات وهموم ذاك التاريخ وأحماله وأدرانه لنرميها على كاهلنا .
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري
اذا سنة صوم عاشوراء كانت لغاية نبيلة ، يتوافق فيها رسول الله مع بعض ما اعتاد عليه فئة من المجتمع الجديد الذي بدأ يؤسس له في المدينة المنورة ، ويُظهر لهم فيه سعة هذا الدين الجديد واهتمامه بمحيطه .
ولكن الزمن تغير كثيرا وتحول الذين يفترض أن يحيون هذه المناسبة المسنونة بالصوم والعبادة تأسيا بنبييهم ، فإنهم أخذوا يحيونها باللطم والتطبير كناية عن الحقد وطلب الثأر ، الثأر من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين حملوا مشاعل الاسلام للعالم .
و هذا اليوم المسنون للصوم والعبادة جعلوا منه مهرجانا يستمر لأيام ومسيرات فيه كيل الشتائم والقدح بأصحاب رسول الله وقذف اقرب زوجاته الى قلبه .
هل كان رسول الله وصهره علي وسبطيه الحسن والحسين بأخلاق وجهل وحقد هؤلاء الشيعة الذين ادعوا حبهم لآل البيت زورا وكذبا !! حاشى لله أن يكونوا بهذه الصفات .
إن احياء ذكرى عاشوراء على هذا النمط ليس إلا دعوة إرهابية تتوافق تماما مع معايير التوصيف للقوانين الدولية ، ووصمة عار على جبين كل من يشارك بها او يباركها ، وإهانة للإنسانية التي كرمها اللله .
ثمة تناقض كبير يطغى هذه الفترة على السياسة الدولية إذ أن دولا عدة تدعي محاربتها للإرهاب او تدعي محاربتها للسياسة الإيرانية باتت هي من تسمح وتشجع في عواصمها و مدنها على هذه الأنشطةالارهابية التي تدعمها إيران و الداعية بوضوح للإنتقام من الاخر ، مما يوحي أن الإسلام باتت مستهدفا أكثر مما مضى ، وإن ضربه من داخله هو السلاح الأمضى لأعدائه ، ووجدوا في جهل الشيعة الأرض الخصبة التي يُحسن فيها الزرع .

تقدمه لسوريا الامل
العقيد مالك الكردي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.