سورية بلا بوتين

راهن البعض اختيارا او مكرها على الاصطفاف واخذ مواقف لالبس فيها بالوقوف مع احد الطرفين روسيا او النظام الدولي بعد الاشتباك الذي حصل باوكرانيا..حيث ضرب الدب الروسي راسه في جدار الناتو مراهنا على تحطيمه والعودة لبناء جدار برلين الذي كان انهياره بمثابة طي لصفحة روسيا العظمى عبر الرداء السوفييتي..والذي كان بوتين شاهدا على انهباره عندما كان يعمل جاسوسا سوفياتيا في المانية الشرقية ويدعي ان تلك الصورة تركت في نفسه اثرا كبيراكانت حافزا لهو لاعادة امجاد امبراطورية روسيا العظمى..ولتكون روسيا امبراطورية اورواسياوية وقوة عظمى كان لابد لها من ضم اوكرانيا لها والتوسع فيما بعد..
كان الاعتقاد السائد لدى بوتين والبوتينيون ان العملية ليست أكثر من نزهة لعدة ايام ولن تكون اصعب من رحلة إجتياح القرم ووضع العالم امام امر واقع..كان بوتين قد اختبره سابقا في جورجيا وشبه جزيرة القرم…
واجرى تدريبا عليه في سورية التي صمت العالم كله(راضيا ام مكرها) على جبروته وقسوته ورسم صورة نيرون التي يخشاها الغرب
لذلك ووفقا للقاعدة القانونية المعمول بها الغرم بالغنم…
اذا ربح بوتين الرهان ستربح حاشيته وإذا خسر فسيكونون اول الخاسربن…
كما نعلم فان جزار سورية وضع بيضه في السلة البوتينية وقامر بمستقبله كله معه…وبعد مضي الاسبوع الاول من الغزو الروسي وبدء الصحوة من الصدمة والتي شابها اضطراب وتشوش في الرؤية لكن ليس بالخيارات ..بدا الجميع يدرك بمرور الاسابيع ان البوصلة الدولية تتجه لخلع بوتين من المجتمع الدولي وخنقه في موسكو وإذلاله في اوكرانيا وهو مايحصل الان…
اول المتاثرين من الهزيمة الروسية المتوقعة هو نظامي الاسد والملالي ..حيث يملكان تحالفا صلبا صمد امام كل التناقضات الداخلية الحامل لها…
ان محور الشر الثلاثي (روسيا …ايران..نظام الاسد) قد حقق نجاحات تمثلت ظاهريا بالحفاظ على النظام من السقوط..وعمليا بالانطلاق لمحور معادي للنظام الدولي ..وستكون سورية نقطة انطلاق الحلم الروسي الامبراطوري بعودة روسيا قطب دولي ينافس القطب الامريكي ويتخادم مع القطب الصيني الصاعد لانشاء عالم متعدد الاقطاب تمهيدا لاضعاف القطب الامريكي التائه والحائر وتوجيه ضربة قاتلة له
كان بوتين هو الراعي والحامي والمناصر الاول للنظام السوري ويختلف دوره عن الحليف الايراني نظرا لما تتمتع به روسيا من قوة سياسية ودبلوماسية وعسكرية على المستوى الدولي..
لقد تدخل بوتين منذ اليوم الاول لانطلاق الثورة السورية..فكان الدعم اللوجستي الامني والعسكري معروفا والغطاء السياسي حاضرا بقوة ليس ب15 فيتو بمجلس الامن فقط إحهاضا لاي عقوبة او ادانة له ..بل بالدفاع عن النظام وانكار جرائمه المتعددة كانزال الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما من قمة الشجرة عندما تخطى الاسد خطوطه الحمراء بمجزة الكيماوي بالغوطة عام 2013..ووصوله للتسوية المعروفة التي امنت تسليم النظام السوري لترسانته الكيماوية وفق المصالح الامريكية والاسرائيلية برعاية روسية…
ايضا كان الروس شركاء بالمسار السياسي منذ بيان جنيف 1..الذي صاغ معظمه قلم لافروف..وصولا لتقزيم ذلك البيان وافراغه من محتواه عبر صدور القرار 2254 ..وحض النظام على المماطلة بل والعجرفة بكل الاجتماعات التي تمت بماعرف بمسار جنيف..
ولم يكتف الروس بذلك بل ابتكروا اساليب متعددة لاجهاض اي مسعى حقيقي لحل المسالة السورية حيث ابتكرت مسارا ميتا اسمته مسار اللجنة الدستورية ..
وحاولت اجهاض مسار جنيف عبر اختراع مسار أستانة الذي لم يكتف بكونه تنسيق عسكري بين دوله الثلاثة بل محاولة إضفاء بعد سياسي له بدعوة دول جوار سورية له والولايات المتحدة لبعض جولاته وتغليفه بغطاء اممي عبر حضور المبعوث الاممي للملف السوري بشكل دائم لكل اجتماعاته..
كل ذلك كان يتم لاجهاض المسار الدولي لحل المسالة السورية والوصول للحل الروسي المعلن وهو تعويم النظام واجراء بعض الاصلاحات الشكلية على مستوى الحكومة وتعديل بعض مواد الدستور غير المؤثرة..
كانت المظلة الروسية الامنية والعسكرية والسياسية للنظام السوري كالحبل السري للجنين تمثل امل الحياة الوحيد له..
ولابد من الاشارة الى انتظار الجميع للرهانات المنطقية على تصادم الاهداف الروسية الايرانية بالساحة السورية ..الا ان ذلك لم يحصل فقد كان محور الشر قادرا على احتواء تناقضاته الداخلية وعدم انفجارها لارتباطهم باهداف اكبر من سورية نفسها
كان السعي الروسي لفك عزلة النظام عربيا ايضا حاضرا بقوة..ولمحاولة استغلال علاقات روسية المتنامية مع دول الخليج ومصر والطلب بمساعدة النظام اقتصاديا لمواجهة تداعيات قانون قيصر ..وكان الضغط الروسي الذي لم يفلح هو اعادة شغل النظام السوري لمقعد سورية بالجامعة العربية
كذلك تمكن الروس من بناء تعاون ضمهم الى جانب ايران ..تركيا عبر محور استانة كان مهما جدا لاحتواء اي خطر قد تشكله فصائل الثورة السورية العسكرية المدعومة من انقرة عبر الحرص على عدم تغيير فواعد الاشتباك او تغيير خطوط وقف القتال (والتي اخترقتها موسكو مرارا وتكرارا) ولكن بقي قدر مهم من ادارة الاشتباك موحودة بمحور استانة وبشكل اخص عبر تفاهمات الرئيسين التركي والروسي
محليا كان الدور الروسي حاضرا بازالة الالغام ونزع صواعق الانفجارات بين الاعدقاء مايسمى قوات سورية الديمقراطية وميليشيا النظام السوري ..عبر رعاية حوارات في المنطقة نفسها او في دمشق واحيانا دعوة الافرقاء الى موسكو نفسها…
ولايغيب عن البال الدور الروسي بالجنوب السوري عندما تعهدت موسكو لقاء ايقاف دعم فصائل الجتوب عدم تمدد انتشار الميليشيا الايرانية في المنطقة ..وتم تسليمها المنطقة ولم تف موسكو باي من تعهداتها بل ساهمت بانهاء المصالحات والرجوع عن تعهداتها محليا باحداث درعا الاخيرة
سيكون تآكل الدور الروسي عالميا بل عزلته المتوقعة سيكون لها ابلغ الاثر على تحالفه الصلب مع النظام السوري والميليشيات الايرانية بغياب الجدار السياسي والعسكري الذي الذي يستند له النظام السوري ويمده باسباب البقاء ولا يمكن إغفال المساعدات الاقتصادية الروسية الهامة للنظام على شحها الا انها كانت تؤمن له جزءا مهما من موارد القمح والطاقة…
إن ذهاب الأسد إلى طهران كان البداية العملية لبحث مستقبل الحليفين بدون بوتين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.