محمود الحمزة
منذ 12 سنة لم أر سوريا بعيني، حيث زرتها في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2010 برفقة ابني وابنتي الصغيرين وحينها سافرت بدون زوجتي أم فراس لأنها قالت لي خذ الأولاد وعرفّهم على سوريا لأنهم كانوا صغارا عندما اقاموا لأشهر معدودة في سوريا ، بالإضافة إلى أنهما ولدا في ليبيا، حيث كنت اعمل أستاذا في جامعة مصراتة- كلية العلوم. وسبحان الله رأوا سوريا قبل الدمار وأتمنى ان يرونها بعد التحرير وهي معمّرة.
حياتنا كلها غربة وسفر وهجرات بسبب عائلة فاسدة مستبدة اعتبرت البلاد مزرعة لها والعباد عبيداً.
لقد كنت احلم ان اتخرج واحصل على الدكتوراه واعود لبلدي واعمل في الجامعة وأقدم معارفي وخبراتي العلمية في التدريس بجامعة سورية، ولكن ذلك لم يحصل الا بشكل مؤقت وجزئي اضطررت بعده لمغادرة سوريا عام1989 والاغتراب بلا عودة.
كانت والدتي الله يرحمها تنتظرني طيلة العام لكي أزورهاواطمئن عليها وبعد رحيلها في بداية 2009 شعرت انني فقدت وطني والحنان والشوق.
ولكن الثورة السورية في مارس 2011 اعادت لي الروح،وبدأت احلم من جديد بالعودة والتدريس في الجامعة خاصة وانني اكتسبت خبرة هائلة في التدريس الجامعي واعددت حوالي 8 كتب جامعية في الرياضيات وعشرات الأبحاث ومعجمين في مصطلحات الرياضيات واعتقدت انبإمكاني تقديم نتائج تجربتي الغنية لأبناء بلدي وخاصة في الجزيرة، مسقط رأسي.
لكن الثورة أظهرت أشياء عجيبة وهي أن هذه العصابة الأسدية تشكل نقطة تقاطع لمصالح إقليمية ودولية معقدة ولا أحد يريد رحيلها عن السلطة بالرغم من الفساد والفقر والظلم الذي الحقته تلك العائلة القذرة بالسوريين وأول مؤشر هو رحيل المختصين والكوادر والمؤهلين الذين تحتاجهم البلاد الى خارج سوريا ليستقروا في بلدان المهجر ويظهروا قدرات علمية واقتصادية هائلة. وتفيد بعض البيانات الى ان عدد السوريين في المهجر في العالم على مر اكثر من 100 عام يعادل عدد سكان سوريا قبل بدء الثورة، أي يزيد على 20 مليون شخصا.
لماذا أتذكر كل ذلك؟
لأنني قبل أيام زرت منطقة قريبة من قلبي لأكثر من سبب وهي انطاكية تلك المدينة السورية التاريخية التي كانت عاصمة المسيحية التي انطلقت من سوريا الى العالم، وكنت قد درست بالتفصيل ونشرت في كتابي رحلة بطريرك انطاكية وسائر المشرق مكاريوس الى روسيا قبل اكثر من 300عام، ولان انطاكية اليوم فيها اكثر من 300 الف سوري تركوا منازلهم واعمالهم هربا من جرائم عصابة الأسد التي قصفت المدن والقرى بالبراميل والأسلحة الفتاكة وقامت بحرب إبادة ضد السوريين.
والمفاجأة كانت عندما زرت مدينة الريحانية القريبة من انطاكيا، وفي طريقنا بالسيارة مع العزيزين الدكتور محمد الحاج بكري والعقيد مالك كردي شاهدت سوريا التي كانت حدودها في بعض الأحيان على مسافة عشرات الأمتار فهاج الحنين في نفسي وتمنيت لو ألمس تراب سوريا ومن يدري هل سنراها ام يبقى الحلم حلماً، مع انني على ثقة ان سورية ستعود لأهلها وشرفائها وسترحل عصابة الأسد ولو بعد حين.
شاهدت جبال سوريا وسفوحها التي انتشرت في البلدات والمخيمات وفكرت حينها كيف لنظام يقتل شعبه بالكيميائي ويتسبب في قتل ما يقارب المليون شهيد ويدمر البنية التحتية ويهجر قسريا حوالي 14 مليون نصفهم الى خارج البلاد ، أن يجد من يسعى لتلميع صورته ويريد التطبيع معه، وانني أرى التطبيع مع النظام الاسدي لا يختلف عن التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي هجر الفلسطينيين وحرمهم من اراضيهم ومنازلهم فاصبحوا مشردين في كل اصقاع الأرض واليوم السوريين يشبهونهم تماما.
في انطاكيا وبغض النظر عن التفاصيل فقد كنت اتحدث العربية فقط في الفندق والشارع والمطعم وفي كل مكان.وفي انطاكيا التقيت بأبناء وطني الذين يعيشون الهم السوري ويفكرون بالعودة وطريق الخلاص من الوضع الكارثي الذي اوصلنا اليه نظام الأسد القاتل الفاسد، وتحدثنا سوية وحاولنا الإجابة على سؤال: ما العمل لإنقاذ سوريا؟
وبالطبع هناك الكثير الذي يدعو للإحباط واليأس في حالتنا السورية. فالسوريون وحيدون في هذه الدنيا ليس لهم إلا الله والاعتماد على أنفسهم. لقد مضت 11 سنة من الرهان على الخارج وعلى الآخر فاكتشفنا ان كل من يدعي صداقة الشعب السوري تخلى عنه لأنهم في حقيقة الأمر كانوا أصدقاء لمصالحهم وليس للشعب السوري، وتحيط المخاطر هذه الأيام بنا ويجري الحديث عن مصالحات مع نظام الأسد، لأنه كما قلت سابقا هو جزء من منظومة دولية إقليمية دولية على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل وتتبعهم روسيا وايران. والدليل ان أمريكا ما زالت بعدُ تماطل وتخادع السوريين وتدعي انها مع الشعب السوري ولكنها ليست ضد الأسد المجرم ويدعمون قوى إرهابية في سوريا،كما انهم ليسوا ضد نظام الخميني الاوتوقراطي الذي يمارس سياسة التدمير وإيجاد الفوضى الخلاقة لخدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد (الإسرائيلي الأمريكي).
يوهموننا بأن ايران خطر على إسرائيل لكنهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة ويوهموننا بأن أمريكا ضد نظام الملاليفي طهران ولكن إيران تنشر مظاهر العسكرة والطائفية وتخلق الحروب وبذلك فهي تخدم الخطط الاستراتيجية الامريكية. ويوهموننا بأن أمريكا ضد روسيا ولكنهما متفقتان في سوريا بسبب التزامهما بأمن دولة إسرائيلالتي احتلت فلسطين وطردت شعبها. ولا أحد يلتزم بمصلحة الشعب السوري او يفكر بمصيره . حتى المعارضة السورية العتيدة التي تسلقت على ظهر الثورة وادعت تمثيل مصلحة الشعب السوري نجدها باعت القضية وانشغلت بتلبية توجيهات قوى خارجية.
لقد منحني الاخوة في انطاكيا من مدنيين وضباط أحرار دفعة روحية وحماسا للتمسك أكثر بالثورة والعمل مع كل الشرفاء والوطنيين للخروج من الوضع المأساوي واثبات الوفاء لدماء الاحرار الذين قضوا من اجل حريتنا.
أيها السوريون الأحرار الذين تريدون حقا تحرير سوريا من كل أنواع الظلم والقمع والاحتلال والفساد، لا يوجد اليوم أمامنا إلى طريق واحد للخلاص وهو ان نعمل وبجدية من اجل التحضير لعمل وطني واسع يشارك فيه نخب وطنية مشهود بنزاهتها ومعروفة بموقفها الوطني البعيد عن أي شكل من اشكال التعصب والمتمسكين بلا حدود برحيل عصابة الأسد كمنظومة والمؤمنين بوحدة سوريا ارضاوشعبا والذين يؤمنون بأن حرية الفرد شرط أساسي لحرية المجتمع.
وكما يقول المثل الصيني: طريق الألف ميل يبدأ بخطوة. وسنعمل من اجل ذلك.
الرحمة على أرواح شهداء الحرية والكرامة
والنصر لقضية شعبنا العادلة