لم تكن مسألة غزو أوكرانيا مستهجنة وثقيله على فكر بوتين العسكري بل هي نتيجة تجربة عسكرية لم يمضي عليها عقد من الزمن عندما دخل الجيش الروسي المحتل الى سورية ليقتل الشعب السوري الى جانب بشار أسد.
إن طريقة الإستهانة بالشعوب ليس بالأمر السهل فإحترام الإنسانية لا يتجزأ ، فمن يستهين بالروح الإنسانية في سوريا ، لاشك بأن أرواح البشر في أوكرانيا لا تساوي عنده أرواح الفئران
فالمتابع لشخصية بوتين يرى إن تصرفاته المتعجرفة مع أقرانه من الرؤساء غريبة جداً حيث كان يسخر منهم في محادثته معهم ،ويتقصد إهانتهم ويتعامى عن التعامل معهم وفق المراسيم والبروتوكولات السائدة مع الزعماء وما تصرف وزير دفاعه مع بشارالأسد في مطار حميميم سوى إنعكاس للصورة التي يتعامل بها بوتين معهم بالمعاملة الدونية اللأخلاقية.
فالعنجهية البوتينية أعمت بصيرته وأراد ان يعيد التجربة السورية في اوكرانيا على الرغم أنه لم يُقدر الموقف العسكري بشكل صحيح كما هو متعارف عليه في الحروب التي تخوضها الجيوش.
فماالذي ترتب على هذه المكابرة والعنجهية الروسية في الحرب على أوكرانيا ؟
- عندما تقدمت القوات الروسية من مشاة ودبابات وعربات مدرعة ميكانيكية الى المناطق الإنفصالية من الجهة الشرقية وإنطلقت معها المقاتلات القاذفة الهجومية الروسية وألقت بقنابلها وصواريخها على الأهداف المحددة لها من بطاريات الدفاع الجوي والمطارات ، والمنشآت الحيوية، فهذه المقاتلات لم تستطيع أن تدمرها بالكامل ، لان المعلومات الإستطلاعية المقدمة للرئيس الروسي غير دقيقة فالضربة الجوية الأولى بالطيران والصواريخ يجب أن تدمر حوالي 60%من الأسلحة الإسترتيجية والوسائط الهامة والمنشات الحيوية، وهذا مالم تفعله القوات الجوية الروسية لكنها دمرت مبانٍ مدنية وتدمرت معظم دباباته على خطوط الدفاع الأوكرانية الصامدة والفعالة والتي أحتوت الصدمة الأولى وشتت هجوم القوات البرية الروسية ودمرته .
- تحركت القوات القتالية بدون تحرك الأنساق الإدارية الأولى التي تتكون التأمين الطبي والفني والإداري وماتنطوي عليه من محروقات ولباس وطعام متناسين دعم القوات طيلة أيام المعركة لكن الواقع في العقيدة الشرقية ، فإن القيادة لاتآلوا إهتماماً للجندي على عكس العقيدة الغربية التي تهتم بتامين المقاتل فكل جندي يتم تسخير سبعة جنود خلفه لتأمينه في كل ظروف المعركة وتزويده بالطعام واللباس والوقود والذخيرة في نهاية كل يوم ليوم أخر بمعدل تعيين (جعالة) ليوم قتالي متوسط الشدة.
- لم يتم تعيين خطوط الإخلاء الطبي والإخلاء الفني للقوات المشتركة في المعركة لذا بقيت الوحدات المعطة والمدمرة في أرض المعركة أمام أعين الجنود مماأدى الى ضعف الروح المعنوية لدى وحدات الجيش الروسي. وإستسلام بقية الجنود لما شعروا به من قلة الإهتمام والتأمين من كل النواحي .
- القيادة الروسية العسكرية تعودت على المرتزقة من فاغنر والفرقة 25 مهام خاصة التي شكلتها روسيا وسلمتها لعميد يتبع لنظام أسد والفيلق الخامس الذي يعمل تحت أمرته بسوريا ، فلذا غاب عن فكرهم العسكري كيف تدار الحروب بالجنود الوطنيين.
- إن العملية التي اختارها الجيش الروسي التي تعتمد على التطويق والإحاطة بالمدن الكبرى متل ماريوبل وخرسون ودينفر وخاركييف وسومي دفعة واحدة من أجل احتلال خط يمتد من سومي في الشمال الشرقي الى دونيبر الى أوديسا وفي حال فرضنا جدلاً بانه سينجح بذلك سيكون حقق سيطرة على الجنوب والمنطقة الجنوبية الشرقية ،لكنه لم يعطي اهتماما الى جثث الجنود الروس ومتناسياً ،وغير أبه بالقتلى المتكدسين في احياء المدن الروسية وأرتال الدبابات المتفحمة على أرتال التحرك ، وقطعان الأسرى بيد الجنود الأوكرانيين .
- ربما يستطيع الدب الروسي القصف الشديد على المدن وتدميرها لكن هذه الحرب اثبتت ان الجيش الروسي لازال بعقلية (عربة الزيل57 )على الرغم انه حقق تقدما في مجال التكنولوجيا لكن بوتين لم يعد يتحمل عقله غطرسته التي مارسها في سوريا دون أي رقيب ولاحسيب .
إن القادم في الخطة الحربية الروسية سيكون قصف هستيري على المدن وإرتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية ، بعد أن يقوموا بالإيعاز للمدنيين بإجبارهم بالخروج من ممرات أمنة وسيجعلون المدن والقرى التي تبدي مقاومة أثر بعد عين .اليوم أوكرانيا هي المختبر والإمتحان الذي يضع أمريكا والغرب على المحك ،فإن استطاعوا ان يفعلوا الجسر الجوي ويمدوا أوكرانيا فعليا بالمتطلبات القتالية والتامين الحربي الذي يخدم الجيش الأوكراني ويلبي احتياجات المقاومة الشعبية لإيقاع الهزيمة بالمحتل ، وقتئذٍ فإنهم ينقذونها من براثن بوتين العسكري المخابراتي المتعجرف المتهور ،وإن تقاعسوا فالوقت ليس لصالح أوكرانيا فالجيش الروسي يتقدم ولوكان ببطئ فالكثرة غالباً قد تتفوق على الشجاعة في ظل غياب التوازن في ميزان القوى والوسائط وبعدها ،سيضطر الأوكرانيين لبذل وقت طويل لتحرير بلادهم من الدب الروسي ولوبعد حين .