بعد إسلامي واضح بقمة أردوغان-إبن سلمان

ما دعاني للكتابة بالابعاد الاسلامية للقمة السعودية التركية ..هو صدور قرار عن القمة الاوربية بقبول ترشيح دولتي اوكرانيا ومولدافيا وقد تكونان من آخر دول حلف وارسو البائد التي لم تنضما للاتحاد بعد…واستعرضت اسماء الدول الكاملة العضوية بمنطقة اليورو فوجدت اسماء لدول لاتزيد عن مولدافيا تطورا حضاريا وموقعا جيوسيا واقتصادا مزدهرا او ناميا …وهي بالكاد تحبو على طريق الديمقراطية الطوبل كثقافة مجتمع وسلوكياته او كاسلوب بالحكم وجزء كبير منها لاتملك جيوش او قوات مسلحة حدبثة ولازالت تحتفظ باسلحة الاتحاد السوفييتي المنقرض كتسليح رئيسي وقد تكون العقيدة القتالية لتلك الجيوش لازالت تحمل الارث السوفييتي كالسلاح الذي بحوزتها…ومنها لاموارد طبيعية له ايضا وكلها تعيش عالة على الاقتصادات الكبرى الاوربية (الالماني والفرنسي والايطالي والاسباني)
وتركيا التي توجهت للغرب منذ بواكير تاسيس الجمهورية التركية الحديثة وتعلمنت بعلمانية متطرفة لواد كل ماهو شرقي او بالمعنى الادق كل ماهو ديني فلم يصل بها الحال لاخراج الدين الاسلامي من الفضاء العام بل والعادات او المظاهر الشرقية كتجريم لبس الطربوش الاحمر ..ذلك الطربوش الذي وضعه على رؤوسهم سلاطين آل عثمان عندما كانوا يمثلون القوة السياسية للدين الاسلامي بامبراطورية مترامية الاطراف في قارات العالم القديم…تم استلداله بقبعة انكيزية …
كان الجيش التركي الحديث من اوائل الجيوش التي انخرطت بالناتو وكانت الدولة الوحيدة بالناتو التي تملك حدودا برية مع الاتحاد السوفييتي..ويشكل الجيش التركي ثاني اكبر جيش بري بجيوش الناتو…وشكلت تركيا جدار دفاعي بوجه المد الشيوعي جنوبا وغربا…وبالطبع يمتلك عقيدة قتالية غربية (ناتاوية) ..وقد اجتازت الدولة التركية مرحلة مهمة بترسخ النظام الديمقراطي وتداول السلطة وطوي صفحة الديكتاتوريات والانقلابات
وكانت تركيا قد تقدمت لطلب الانضمام الى الاتحاد الاوربي من بدايات القرن الحالي ونفذت كل الشروط المطلوبة منها كتعديل كثير من القوانين الخاصة بها لتتلاءم منظومة الاتحاد الاوربي ..وطبقت كل المعايير المطلوبة منها …
تملك تركيا نظاما اقتصاديا انتاحيا حديثا متنوعا يلعب الانتاج الصناعي بالصدارة وقد تم تصنيفه من أكبر 20 اقتصاد بالعالم ..وتحضر تركيا والمملكة العربية السعودية (العضو ايضا) الاجتماعات الدورية لقمة العشرين وهما اكبر اقتصادات الدول الاسلامية ..
يبلغ تعداد السكان بتركيا حوالي الثمانون مليونا وتتمتع بموقع استراتيجي بين قارات العالم الثلاث..ويمكن ان تشكل تركيا بانضمامها الى الاتحاد الاوربي ثقلا نوعيا وإضافة استراتيجية لدوله…
إلا ان طلب إنضمامها كان يواجه بمزيد من العراقيل والطلبات التعجيزية الى ان قالها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران ..ان الاتحاد الاوربي ناد مسيحي لن تقبل بعضويته تركيا…
طبعا نسبة السكان المسلمين بتركيا تقارب ال99%..
ازاء هذا الرفض الغربي كان امام تركيا التوجه شرقا وخاصة باتجاه دول آسيا الوسطى التركية وانشأت حديثا جامعة الدول التركية .. واتجهت جنوبا باتجاه عمقها العربي الاسلامي باصلاح العلاقات مع الدول العربية والانخراط اكثر بملف الصراع العربي الاسرائيلي عبر دعم الحقوق الفلسطينية على حساب تراجع بالعلاقات مع دولة الاحتلال الاسرائيلي بل احيانا توترها كما حدث بحالة السفينة التركية مرمرة عندما حاولت كسر الحصار البحري على غزة وسقوط قتلى اتراك على متنها من قبل الكومندوس الاسرائيلي…
وبسب انجاز حزب العدالة والتنمية التركي المصالحة التاريخية بين الشعب التركي وهويته وتاريخه الاسلامي…وظهور آثار شكلية لتصدع القوانين العلمانية (مع بقاء الدستور علماني دون تعديل اي من مواده الاساسبة) وبسبب قيادة الحزب الحاكم المتدينة نظر له البعض بتوجس وريبة وقد قيل ان الحزب هو احدى حركات الاسلام السياسي..ورأى فيه البعض انه نموذج ناجح لقيادة الدولة التركية لتجربة فريدة ..دولة ديمقراطية اسلامية ذات اقتصاد انتاجي ليبرالي ..كتجربة او انموذج يمكن تعميمه للنهوض الاسلامي …ورآه البعض عثمانية جديدة تسعى للتوسع بالاراضي التي حكمتها السلطنة العثمانية لقرون…
ولكن لايخفى على أحد ان كتاب التاريخ ومؤرخيه وكتاب المناهج الدراسية كانوا قد كتبوا المناهج الدراسية وعنونوا تلك الفترة تحت ابواب الفتوحات العثمانية والخلافة العثمانية ولم يذكر احدا من المؤرخين او الباحثين انه كان احتلالا عثمانيا خاصة انه بقي متواجدا بالحجاز التي تضم الحرمان الشريفان لقرون وكان يؤمن طرق الحج …وكان (ولازال) المذهب الحنفي هو مذهب الامبراطورية ..
بداية التوتر التركي مع بعض الدول العربية بدأت من خلال نظر كل طرف لثورات الربيع العربي وموقفه منها …فحدث التوتر ثم القطيعة مع الدول العربية المهمة بالخليج العربي ومصر..
وبسورية ومنذ اليوم الاول اخذت تركيا موقفا مؤيدا للثورة السورية ومناهضا للنظام السوري وانعكس ذلك على كل الدول العربية التي وقعت تحت الاحتلال الايراني بما يطلق عليه بالهلال الشيعي وبالتالي كانت علاقة تركيا مقطوعة مع حكومة بغداد الموالية لطهران وممتازة مع اربيل المناهضة لها وكذلك ينسحب الامر على لبنان وجماعة الحوثي باليمن وبقبت علاقتها بايران مصالح اقتصادية وتبادل منافع والحرص على ادارة الحرب الرمادية بينهما (بالساحة السورية خاصة) دون اصطدام مباشر بينهما
وجد الخليج العربي ومصر وتركيا والاردن( وهي دول سنية) انفسهم في حالة تنافس وصراع بينما محاطون بمجموعة من الاعداء والاعدقاء…
إيران خطر اول ومباشر بمشروعه المعلن والذي لن يتوقف في المنطقة قبل تفكيكها (كما حصل بسورية والعراق واليمن ولبنان) وافقارها تمهيدا للسبطرة على قبلة العالم الاسلامي وهذا الوحش الايراني يملك تحالفات قوية مع الصين وروسيا وتخادم لفترة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي إلى ان قوي ساعده وبدأ يتنمر عليها..ويتمتع بتخادم امريكي معلن وسري احيانا منذ ضربات 11 ايلول 2001..
وكان الانكفاء الاستراتيجي الاوربي واضحا ويتبتى سياسات التفوق الاقتصادي وغير مستعد لاي مواجهة مع ايران بل يسير خلف الولايات المتحدة
وبقدوم بايدن (بل حتى من حملته الانتخابية) كان العداء(وليس الانتقاد فقط) واضحا للدول السنية تحت ذرائع شتى…
بدات الماكينة السياسية بالعمل سريعااستعداد للمرحلة القادمة التي ستشهد توقيع حتمي لاتفاق نووي بل عودة امريكية للاتفاق السابق والذي ادى فيما ادى اليه من ترسيخ التواجد الايراني باربعة عواصم عربية مع غزة والاستعداد لاقتناص المزيد ..حدثت اللقاءات المعروفة وذاب الجليد بين الدول السنية والتي انتجت تبادل زيارات بين رئيسي دولة الامارات العربية المتحدة وتركيا ..وكذلك الامر بين المملكة العربية السعودية وتركيا ..وكانت جولة ولي العهد السعودي الاخيرة التي تسبق القمة العربية السنية مع الرئيس بايدن على مصر والاردن وتركيا كلمسات اخيرة على مخاطبة الرئيس الامريكي القادم باسم دول المنطقة وتقديم نفسها كتلة واحدة ومجصنة ومتوافقة امام الزائر الامريكي اللاهث عن النفط ومطالبته بمطالب موحدة
هنا لابد من اخذ الرموز السعودية بعين الاعتبار فلن يقدم البلاط السعودي العريق على ترك الامور للصدف..وهي اشارات ترسل اكبر من قراءات حركات الجسد ولغة العيون وحفاوة الاستقبال…
كانت زيارة الرئيس التركي باواخر شهر رمصان المبارك وكان اللقاء الاول بعد جفاء مع الملك سلمان بمكة المكرمة….ثم قامت المراسم السعودية بترقيم رقم غرفة الرئيس التركي بالرفم 1453 ..وهو تاريخ فتح القسطنطينية ..بما يحمل ذلك من ابعاد اسلامية ورسالة للرئيس التركي انك سليل اولئك السلاطين المسلمين العظام
كما ان تصرف ولي العهد السعودي اثناء زيارة الى تركيا وعند استعراضه لحرس الشرف برفقة الرئيس المضيف كسر البروتوكول التركي المعروف بتحية اتاتورك لعسكرة مرحبا عسكر والتي كان يرددها الزائرون كاحدى قواعد البرونوكول التركي المعمول به (والذي يرمز للاتاتوركية والجمهورية العلمانية الحديثة والتي اتجهت غربا) حيا الامير الضيف الجيش التركي بتحية الاسلام(السلام عليكم) في اشارة واضحة لعمق العلاقات التاريخية والدينية بين البلدين…وان الجيش العثماني تواجد بارض الحرمين الشريفين لقرون …
لن نفرط بالتفارل للقول ان محورا سنيا قد تشكل في مواجهة الهلال الشيعي..لكن التمحور الجديد بين الدول السنية ممكن له ان يقوم بالردع الكافي لايران بل واكثر من ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.