القيصر يتنفس من تحت الماء…إنه يغرق

لم يكن مفاجئا لاحد ان يتنازل الرئيس الروسي عن مكابرته بدخول حربه شهرها السابع والذي طالما أصر على وصفها بالعملية العسكرية الخاصة ..
ستة أشهر كانت كفيلة لتحطيم كل مابناه بوتين خلال العشرون سنة الماضية…
لقد غيٌر الرجل أهدافه من الحرب عدة مرات ..بل وغير جنرالاته وخططه وتكتيكاته العسكرية…ويبدو انه لم يفيده ذلك بشيئ ..ماعليه إلا تغيير جلده
يرى البعض ان الرئيس الروسي قد خسر الحرب بعد الايام الاولى من بدئها…عندما سحب قواته من محور كييف وتبين استحالة تحقيق نصر حاسم واحتلال العاصمة وطرد زيلنسكي وحكومته وتعيين حكومة موالية….حتى إن خاركيف المدينة الهامة بالشرق والقريبة من الحدود والتي اغلبية سكانها من اصل روسي وتستعمل بها اللغة الروسية لم ترحب بجنوده وتنثر الورود والارز على الاخوة الفاتحين بل قاوموا مقاومة عنيفة وصمدت خاركيف ومن ثم الحقت جبهتها الشرقية الخسارة الابرز بالجيوش الغازية عندما طردت تلك الجيوش من مساحة ستة آلاف كيلو متر مربع خلال أيام
في إشارة التقطها الجميع ان تحولا هاما في مسار الحرب قد بدأ…
بعد فشل العقل العسكري الروسي (الخططي والتكتيكي) وضعف اجهزة الاستخبارات بتقييمها لساحة المعركة وتكبد الجيش الروسي لخسائر هائلة بالجنود والعتاد ..وفشل الاسلحة الروسية في مواجهة تكنلوجيا السلاح الغربي المتطورة .فالى جانب الضرر الشديد بسمعة العسكرية الروسية والاسلحة الروسية ..فان الخسائر البشرية كانت فادحة في صفوف القوات المهاجمة مع العلم ان قلة العنصر البشري الروسي لاتغيب عن الجميع الامر الذي استدعى من القيادة الروسية استدعاء مبكر للميليشيا الاجنبية ..فتم الاستعانة بالمرتزقة الشيشان لخوض حرب المدن المكلفة بشريا ..وتم طلب ميليشيا موالية للنظام السوري للزج بها في معارك المدن ولم يخف الروس ذلك بل اعلنوا ذلك على لسان الرئيس الروسي على الشاشات بناءا على طلب من وزير دفاعه شويغو
عند خفض مستوى اهداف الحرب الروسية الى محاولة السيطرة على اقليم الدونباس كاملا مع معظم الساحل الاوكراني على البحر الاسود بالجنوب (باستثناء اوديسا)..واتباع خطة 60 الف طلقة باليوم..وذلك بقصف المدافع الروسية من الخلف للخطوط والتحصينات الاوكرانية وعدم الدخول باشتباكات حرب شوارع دامية كما حدث في ماريوبول..وانما استعمال كمية من النيران لقصف مواقع العدو والغاية الرئيسية تقليل الخسائر البشرية الروسية وعدم امتلاك الوحدات القتالية الروسية للكفاءة اللازمة لحسم المعارك ..فكانت سياسة الارض المحروقة هي الخيار الروسي الانسب لقضم مزيد من الارض
بمرو ستة اشهر من الحرب ..وافتقاد روسيا لاهم اسلحتها الناعمة حيث رمى بوتين بورقة الغاز باكرا التي كان يهدد بها حيث تم ايقاف ضخ الغاز الطبيعي الروسي الى دول الاتحاد الاوربي وعزم دول الاتحاد تلك عن الاستغناء عن كامل النفط الروسي تدريجيا بنهاية هذا العام…
وقد كان حرص الرئيس الروسي على عدم تغيير صفة حربه في اوكرانيا وذلك لعدم التاثير السلبي على الاقتصاد المتعثر بالاساس والذي بدات مفاعيل العقوبات تظهر عليه..وذلك بسوق الشباب من المعامل والمفاصل الهامة في الدولة الى الجبهات مع ان اشراك الاحتياطي غير الكفوؤ عسكريا والذي لم يتلق تدريبا عسكريا احترافيا لن يغير بمسار المعركة…
لكن الرئيس الروسي يبدو انه كان مجبرا على هذا القرار الذي اتخذه يوم الاربعاء 21 ايلول لتعويض النقص الهائل بالقوى البشرية والذي لم يعد من الممكن اخفاءه..وطبعا اشارته بخطابه للتهديد بالسلاح النووي لاتلقى استجابة من الغرب لانه يملك ميزة الردع…بل يمكن اعتبار تلك الاشارة موجهة للداخل الروسي لرفع الروح المعنوية ووقف التصدعات الداخلية بعد الاخفاقات او الهزائم الاخيرة بجبهة خاركيف ..وايصال الرسالة ان روسيا لايمكن هزيمتها وبالتالي لايمكن اذلالها

الأهداف الروسية من إعلان التعبئة العامة

ان تغيير صفة العملية العسكرية الخاصة الى حرب شاملة يمكن ان تقصد منها موسكو عدة اهداف:

1– من المعروف ان الجيش الروسي لم ينفذ في حربه عقيدته العسكرية المعروفة عنه والتي تسمى بسياسة الارض المحروقة حيث لايريد تخريب البنية التحتية للاراضي التي يحتلها او يحاول احتلالها لانه ينوي الحفاظ عليها سليمة لنيته البقاء بها بل اعتبارها اراض روسية التاريخية ويقطنها مواطنون روس ..وبالتالي عدم اغضاب السكان المحليين..فمعظم البنية التحتية المدنية لم يتم المساس بها كمراكز الاتصالات ومحطات القطارات ومراكز انتاج الطاقة الكهربائية والخ..
ومن الان فصاعدا وبالحرب الشاملة ستكون كل البنى التحتية المدنية الهامة عرضة للقصف الروسي لتدميرها لانها بلاشك تصب في الجهد العسكري الاوكراني ..ومن المرجح الان تدمير ايضا كل الطرق والجسور والمتشآت في الغرب الاوكراني وخاصة المحاذي للحدود البولندية لانها الطريق لوصول الاسلحة الغربية للجيش والمقاومة الاوكرانية

2- ولكي يتسنى للجيش الروسي القول انه حقق اهدافه من الحرب يجب عليه السبطرة على اقليم الدونباس كاملا في الشرق وللتقدم بفرص حل او تسوية كما يتصور القادة الروس حيث سيجرون استفتاءا وهم لايخفون ذلك في اقليم الدونباس ومقاطعة خيرسون كاعادة لاستفتاء شبه جزيرة القرم وبالتالي ضم تلك الاراضي الاوكرانية الى الاتحاد الروسي..ولكي يتم ذلك لابد من ابادة او طرد القوات الاوكرانية من شرق نهر الدينيبر الى غربه (ويمكن اعتبار ذلك النهر هو الفاصل بين الشرق الاوكراني وغربه)..الامر الذي يتطلب استعمالا هائلا لقوة وكثافة نيران لابادة تلك القوات (والتي تعتبر نخبة القوات الاوكرانية)..والحرب الشاملة تتيح استخدام وسائل لايمكن استخدامها بعملية عسكرية خاصة..
اذا ما تحقق الهدفان السابقان فيمكن ان تفرض موسكو على كييف الاستسلام وقبول مطالبها ..على وقع حرب شاملة على كييف والمتشآت الحيوية الهامة خاصة ان شتاء اوكرانيا القاسي على الابواب وتدمير محطات الطاقة والكهرباء ليس امرا صعبا على موسكو.
تسعى موسكو لانهاء ملف الحرب قبل قدوم الجنرال شتاء ووقف الاستنزاف الغربي للموارد الروسية والذي يعلم الجميع ان الغرب يرغب بل ان استراتيجيته الموضوعة للحرب غوص الروس اكثر في المستنقع الاوكراني واستنزافهم الى درجة ان يتداعى البيت الروسي من الداخل…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.