يطل العام الجديد على المشهد السوري حاملاً بعض السخونة، لكنها السخونة التي لا يُتوخّى منها الدفء، بل يُخشى أن تكون شظايا حارقة، هذا ما تشير إليه ردود أفعال معظم السوريين، سواءٌ على تصريحات المبعوث الروسي الكسندر لافرينتييف أواخر كانون أول الماضي، والتي أوضح فيها أن مسار اللجنة الدستورية، حتى إن أتمّ مهامه بنجاح، فلا ينبغي أن يؤدي إلى زوال نظام الأسد، ولا ينبغي كذلك أن يؤدي إلى تقليص صلاحيات رأس النظام أو الانتقاص منها، من جانبه، لم يتقاعس المبعوث الدولي إلى سورية غيربيدرسون عن تعزيز ما ذهب إليه لافرينتييف، حين صرّح من طهران، أثناء لقائه بوزير خارجية إيران يوم ( 16 – 1 – 2022 ) مؤكّداً على أن الوضع في سورية مستقر، ولا أحد من أطراف النزاع يطالب أو يسعى إلى تغيير النظام. وتناغماً مع هذين الموقفين الدوليين، يسعى الأردن جاهداً إلى التماس الإذن من الإدارة الأمريكية لاستثناء الأردن من عقوبات قيصر، في حال أقدمت عمان على تنشيط علاقاتها الاقتصادية مع دمشق، وهذا ما تفصح عنه الزيارة التي قام بها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي يوم 16 – 1 – 2022 إلى واشنطن، ملتمساً من إدارة بايدن أن تدعم ما يُسمى بمبادرة ( التعافي المبكّر) وهو المصطلح المُنمّق الذي يختزل الدعوة إلى فتح قنوات إنعاش لنظام الأسد وكسر العزلة الدولية والإقليمية التي تحيط به.
ربما لا يتفاجأ معظم السوريين بالمواقف الدولية والإقليمية المذكورة، ذلك أن التداعيات العملية لتلك المواقف قد تجسّدت بالفعل قبل الإعلان عنها بكثير، إذ لقد كانت طائرات بوتين وقاذفاته التي تتقاطر موتاً على رؤوس المواطنين السوريين طيلة ست سنوات هي التعبير الأكثر نصاعة ووضوحاً من تصريح لافرينتييف، وكذلك لم يكن مسعى غيربيدرسون ، حيال تماهيه المطلق مع الرؤية الروسية وحرصه الشديد على استمرار لقاءات اللجنة الدستورية، والتكتّم على عبثيتها ولاجدواها، بل والتغطية والمداراة الواضحة لجميع ممارسات الأسد الهادفة إلى استثمار المهزلة الدستورية في كسب المزيد من الوقت وتضليل الرأي الدولي من خلال إيهامه بالتفاعل مع المسارات الأممية، أقول: لم يكن هذا المسعى ليحتاج إلى إيضاح من السيد بيدرسون، وخاصة حين يطلق تصريحه ، وهو يدرك أنه بضيافة الخارجية الإيرانية .
وفي موازاة هذه المواقف، ثمة حراك آخر لا يخلو من السخونة ذاتها، ولكنها السخونة التي يصعب التكهّن بصيرورتها، ذلك أن ما تشهده العاصمة القطرية ( الدوحة) من لقاءات وحوارات بين أطراف ذات توجهات مختلفة، بل ربما متباينة، تحتاج إلى قليل من التريث وعدم استباق الأحداث، وخاصة أن جميع ما يجري في الدوحة يمكن إدراجه على أنه إرهاصات أولية للتقارب السعودي القطري، والسعودي التركي، والذي يتطلع إليه السوريون بعين متفائلة، لاعتقادهم أن هذا التقارب ربما يجسّد المحور الأكثر تضامناً أو دعماً لقضية الشعب السوري.
ولكن ما يمكن تأكيده أن إحدى شواغل حراك الدوحة، والتي بدت واضحة الملامح، هي واقع المعارضة الرسمية السورية، والتي يقرّ الجميع بأنها باتت على درجة من التشظي والهلهلة التي تحتاج إلى إعادة ترتيب وهيكلة أو إصلاح أو أو أو ….إلخ، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الندوة التي دعا إليها السيد رياض حجاب، والمزمع انعقادها في بدايات شباط المقبل، ولعله من الصحيح ألّا أحد أكّد من القائمين على تلك الندوة بأنها معنية بإنتاج بديل لأجسام المعارضة الحالية، بل ما أكده المعنيون بتلك الندوة أنها ستُعنى بالمراجعات والتقييم لما واكب عمل المعارضة، وكذلك ستعنى بالمواقف الدولية والإقليمية المستجدة، فضلاً عن اقتراح مخرجات، لكنها مخرجات أو توصيات لا تحمل طابع الإلزام أو التنفيذ، ولعل ما يعزز هذا المنحى من الظن، أن النسبة الأكبر من المدعوين للندوة المنتَظرة هم من العاملين أو المشتغلين ضمن كيانات المعارضة الرسمية الراهنة ( إئتلاف – هيئة تفاوض- لجنة دستورية )، ولكن أيّاً كان شأن تلك الندوة، فإنها لن تكون حدثاً عادياً، على الأقل، بالنسبة إلى الإئتلاف الذي أعلن رئيسه عن عزمه بإجراء إصلاحات أسماها ( جذرية )، إلّا أن هذا المسعى – ووفقاً لما يجري من نقاشات ومباحثات داخل الإئتلاف – ترتطم بصراع عنيف فيما بين مصالح الكتل والجماعات والأفراد التي باتت لا تنظر إلى هذا الكيان سوى أنه ( متجر مشترك) لمجموعة من الأطراف، يحقق دخلاً متوازنا من المصالح، وربما يكون إحداث أي تغيير في نسبة الأسهم المشاركة، قد يؤدي إلى خلل في مستوى المصالح، وبانتظار ما ستفضي إليه التوافقات بين مالكي هذا المتجر، يتوجه قسم من أنظار السوريين إلى الدوحة من جديد، ويتساءلون: هل كانت الغاية من استدعاء أحمد الجربا ( رئيس جبهة السلام والحرية) التي تعمل تحت مظلة قسد، ورئيسي الإئتلاف وهيئة التفاوض، هي مسعى يهدف إلى إيجاد كيان سياسي جديد يجمع بين الأطراف السورية المتنافرة، تجسيداً للتقارب الإقليمي الجديد، وبخاصة التقارب الخليجي؟
ربما لا يمضي كثير من السوريين وراء ما ينتمي إلى الأحلام، أو ما هو مثالي، حتى يتحاشوا الاتهام ب ( الشعبوية)، إذ إنهم يدركون جيداً أن إيجاد كيان سياسي خالص في سوريته وذي إرادة وتوجّه متحرر من سطوة النفوذ الدولي والإقليمي، لهو أمر عسير التحقق في الوقت الراهن، وليس مستحيلاً، ولكن في الوقت ذاته ، لا يمكن القبول بمبدأ التبعية المطلقة، واستيلاد كيان وظيفي بشكل جديد، ولكن بمحتويات قديمة ومُستهلكة، وبين الرغبة ( الحلم ) والواقع الداكن، هل بمقدور المشهد السوري المعارض بكافة أشكال حراكه إنتاج جسم سياسي قادر على تحقيق توازن بين مصالح حلفائه وداعميه، وبين المصلحة الوطنية السورية؟.
كاتب وباحث سياسي
المقال السابق
المقال التالي