كانت الضربة الموجعة التي تَعرّض لها عملاق البترول السعودي آرامكو من قبل أذرع الحرس الثوري الإيراني بأيلول 2019 ..قد تركت أثرها في عقلية الحكم السعودي… وشرّعت فتح الباب للكثير من الأسئلة …هل نحن حقاً حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية ؟ وهل كان الحرس الثوري الإيراني ليجرؤ على فعلته تلك لولا يقينه التام بحقيقة الموقف الأمريكي والذي لم يُخيّب ظَنّ الإيرانيين….؟ والسؤال المحير الذي وجدت قيادة المملكة له جواباً فيما بعد طالما أنّ السعوديون ( والعرب عموماً ) يشتكون من الإدارات الديمقراطية الأمريكية ويرتاحون عندما يروا ساكن البيت الابيض رئيس جمهوري …لقد تِمّت تلك الضربة والرئيس الجمهوري ترامب يعتلي عرش البيت الأبيض وهو كان قد أخرج بلاده في العام الذي سبق ضرب منشآت آرامكو وتحديداً بأيار 2018 من الإتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات قاسية بحقها وكان يَتوعّدها ليل نهار بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وكان جواب السؤال المُحيّر عند القيادة السعودية بأننا لسنا حلفاء للولايات المتحدة وقد لانصبح كذلك…وبأحسن الأحوال نحن شركاء عاديون وليس إستراتيجيون لهم…يُطلب مِنّا شراء أسلحة عادية لاتلزمنا وهم يختارونها لنا ولايستجيبون لطلباتنا بنوعية الأسلحة التي نحتاجها …حلفاءهم بالمنطقة إسرائيل بالدرجة الأولى والأتراك حليف لدود لهم بالدرجة الثانية ..أما التخادم مع إيران فقد بلغ ذروته في العقدين الأولين من الألفية الجديدة وتحديداً بعد أن قام الجهاديون السعوديون الخمسة عشر بتنفيذ ضربات أيلول 2001 في عقر دار القوة الأعظم..
[٢١/٦ ١:٠٦ ص] د باسل معراوي: وبعد التورّط السعودي بحرب اليمن وإستحالة حسمها..هل وقعت المملكة باخطاء من سبقها ؟ عندما عجزت الإمبراطورية العثمانية عن إخضاع تلك البلاد وكان الجميع شامتاً بمقبرة الأناضول حينها…أم إنّ تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالتدخل العسكري الفاشل بحرب اليمن وإستنزافه هناك كان له أكبر الأثر فيما بعد بهزيمة حزيران 1967
وماذا لو أعاد الحرس الثوري فعلته النكراء بضرب منشآت منشآت أخرى؟؟ ..ولماذا تكتفي الولايات المتحدة بالنظر من بعيد على سيل منهمر من الصواريخ والمسيرات الحوثبة تنال من حرمة أراضيها وسيادتها بل وتصل للرياض ؟ وقد تطالب الافرقاء جميعا بضبط النفس فقط دون اي مساندة حقيقية للمملكة….
ولايجد القادة السعوديون جواباً لتساؤل يُلحّ عليهم كل يوم ماذا نفعل بالأسلحة الأمريكية المكدّسة لدينا إذا لم توافق القيادة الامريكية على طلباتنا بشراء الذخائر وقطع الغيار ومستلزمات الصبانة….
لكن لم يُلقِ الأمربكان بالاً لكل تلك التساؤلات السعودية وكانوا يُصرّون على إتهام المملكة بإتهامات تَتَعلق بإنتهاك حقوق الإنسان والمراة وقمع الرأي الاخر..إلى آخر ماهنالك من بضاعة أمريكية كاسدة لم تَعُد تُقنع أحداً بجدية الولايات المتحدة بالمطالبة بنشرها عالمياً كأيدلو جيا او نموذج أمريكي حضاري بل بإستخدامها سياسياً
والدليل على مدى الإستخفاف الأمريكي بالمملكة هو عقب الغزو الروسي لأوكرانيا وبدء معركة الطاقة العالمية لم يّكلّف الأمريكان عناء أنفسهم سوى رفع سماعة الهاتف والطلب من المملكة رفع إنتاجها من النفط لخفض الاسعار العالمية في خطوة ضد مصالح المملكة الوطنية وتَصبّ في صالح السياسة الأمريكية بخطط التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا …
وبالطبع لم تستجب القبادة السعودية لتلك الطلبات حتى عند حضور الرئيس الأمريكي بذاته الى المملكة …ولازالت كذلك لحد الآن
كان لابد للقيادة السعودية الجديدة والتي طرحت رؤية وطنية تنموية ( إقتصادية وإجتماعية ) وإجراء إصلاحات جوهرية من القمة إلى القاعدة في بُنية الدولة والمجتمع من تأمين بيئة آمنة بمحيطها وبالطبع كان العدو الرئيسي هو إيران والذي يُحيط بالمملكة ببدر ميليشيات شيعي أسود …كان لابد من إنهاء الجرح اليمني والذي بدأ يَتعفّن ويصبح مزمناً يستنزف الموارد ويهزّ الإستقرار الاأمني بالصميم…
وكان تنويع التحالفات ومصادر التسلح تدفع بالأشرعة السعودية شرقاً فبدأت بواكير إتفاقات تَسلّح مع توطين التكنلوجيا بمذكرات تفاهم مع الصين وروسيا ..وتم بعام 2016 توقيع مذكرة تعاون صينية سعوديية بمجال الطاقة النووية…
لم يكن مفاجئاً أبداً رعاية بكين لإتفاق سعودي إيراني لإيجاد طريقة أو آلية لحل الخلافات بالحوار ..وكانت الأطراف الثلاثة مستفيدة من ذلك التفاهم والذي لايُعدّ أكثر من هدنة ضرورية مؤقتة…
سجلت الصين نقطة على الولايات المتحدة كمرجعية دبلوماسية دولية (وليست إقتصادية فحسب) اذ دخلت إلى قلب الخليج العربي وعبر أهمّ دوله وهي منطقة النفوذ الأمريكية والتي كان مُحرماً الإقتراب منها..
وإستفادت المملكة بتقديم تنازلات في سورية عبر إعادة نظام الأسد لجامعة الدول العربية وإقامة علاقات دبلوماسية معه وإستقباله بمؤتمر القمة الأخير وهذا التنازل الجوهري السعودي أعاد شيئاً من الشرعية العربية لنظام الأسد وبالطبع تجاهلت أو تناست المملكة كل مواقفها السابقة من الأسد وحرائمه بحق الشعب السوري مقابل الدخول بعملية سياسية باليمن تُنهي الصراع المسلح ويَتمّ إدارة الأزمة في دولة فاشلة من كلا الدولتين ( إيران والسعودية )…
وحقّقت إيران نصراً سياسياً مُهماً بإستبدال إندماجها الدولي المفقود ( بغعل فشل التوصل لإتفاق نووي مع الولايات المتحدة والدول الأوربية الثلاثة ) تعويض ذلك بإندماج في المحيط الإقليمي( ولو كان صورياً ) وعلى الورق .وسحب ورقة التمدد الإقليمي المهدّد للإستقرار في جوارها من يد المفاوض الغربي.
مع رغبة إيرانية بإعتراف عربي بالوضع الجديد الذي نشأ بعد الغزو الأمريكي للعراق وتَعمّق أكثر بعد عقد الربيع العربي وهو الإعتراف بهيمتة إيران على العواصم العربية الأربعة مع غزة..
الأهم من كل ذلك بالنسبة لادإيرانإافشال المسعى الأمريكي الرئيسي في المنطقة والقاضي بتطبيع سعودي إسرائيلي ينهي الصراع العربي الإسرائيلي عملياً ويُعرّي زيف الخطاب الإيراني القائم على تحرير فلسطين وأقصاها….
لكن وبإعتبار أنّ الإتفاق الذي جرى في بكين ( والذي لايُعرف عنه الكثير ) حيث تطبيق تفاهماته ليس بالأمر الهيّن ولكن كل ما تمّ لمسه على أرض الواقع هو تمديد الهدنة في اليمن ووفاء السعودية بأقصى ما يمكنها تقديمه لنظام الأسد …أما باقي الملفات فيبدو أنها ليست مُتعثرة فقط بل مّتعثرة جداً بحيث تُهدّد بنسف المسار برمّته..وكان واضحاً ذلك من خلال زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران مُؤخراً حيث كان ينوي إفتتاح السفارة السعودية في طهران بعد أن سبقتها إيران بإفتتاح سفارتها في الرياض
ماحدث خلال الساعات القليلة التي أمضاها الوزير السعودي في طهران يُرجّح رأي البعض بأنّ تلك الخطوة السعودية كانت تكتيكية للضغط على واشنطن والعواصم الغربية عموماً لإعادة صياغة إستراتيجية للعلاقات برمتها بين واشنطن والرياض وتوقيع إتفاق دفاعي مشترك بين البلدين يحظى بموافقة الكونغرس ولاتستطيع أيّ إدارة أمريكية التساهل بتطبيقه..مع تزويد المملكة بأحدث الأسلحة الأمريكية التي تحتاجها ..بعدها يُمكن فتح ملف التطبيع إسرائيل…… وللسعودية شروط معروفة بهذا الصدد
والبعض يربط بين زيارات المسؤولين الأمريكان المتكررة للمملكة بالآونة الأخيرة مع زيارة ولي العهد السعودي الطويلة لباريس وما يُجريه من إتصالات…
والمعروف بالدول أنّ وزارات الخارجية هي المسؤولة عن ترتيب الزيارات والبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية لكافة مؤسسات الدولة فكيف إذا كانت هي المعنية بالزيارة..
1– لم يوافق الوزير السعودي على إقامة مؤتمر صحفي مشترك متفق عليه مع وزير الخارجية المضيف بقاعة مُخصّصة لذلك لأنّ الجانب الإيراني كان مصراً على الإبقاء على صورة قاسم سليماني رغم طلب الجانب السعودي إزالتها من القاعة ..وتمّ نقل المؤتمر إلى قاعة أخرى ..
ويَدلّ ذلك على إعتراض سعودي على كل سياسة إيران الخارجية التي نفذّها قاسم سليماني بهلاله الشيعي وعواصمه الأربعة ..الأمر الذي إستنتج منه مراقبون أنّ إتفاق بكين جرى على أرضية مع إيران الدولة وليس إيران الثورة وبالتالي لا إعتراف سعودي بشرعنة ماقام به سليماني والتسليم بالأمر الواقع الذي تم فرضه في المنطقة
2– إزاء التوتر والإرتباك الذي حصل تم عقد المؤتمر الصحفي المشترك بإحاطة لكل وزير دون تلقي أسئلة الصحفيين
3– حاول الإيرانيون تمرير وضع علم سعودي صغير قياساً لحجم العلم الإيراني في القاعة
4- لم يستقبل المرشد الوزير السعودي في هذه الزيارة التاريخية كما فعل عندما زار طهران الوزير الراحل سعود الفيصل
5– لم يتم الإفتتاح الرسمي للسفارة السعودية بطهران والتي كانت زيارة الوزير السعودي من أجل ذلك…وتم تأجيل ذلك إلى توقيت مابعد عيد الأضحى وهذا توقيت غير محدد بزمن معين
لذلك قد نشهد في الأشهر المقبلة أحداثاُ غير متوقعة في ضوء الحرص الأمريكي على عدم ترك أي مساحة او فضاء لتموضع صيني روسي إيراني يَخلف الولايات المتحدة في تطبيق عملي لأقوال الرئيس بايدن في قمم جدة العام الماضي.